إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على رسول الله وبعد، فقد سأل البعض ما معنى ما ورد في النصوص الشرعية في نسبة العلو لله تعالى؟ نجيب على هذا السؤال بنقل هاتين الفائدتين:
فقد أصدرت مجلة الأزهر وهي مجلة دينية علمية تصدرها مشيخة الأزهر، في المحرم سنة 1357 هـ في تفسير سورة الأعلى، ص 16 و 17 (والأعلى صفة الرب والمراد بالعلو العلو بالقهر والاقتدار لا بالمكان والجهة لتنـزهه عن ذلك) واعلم أن السلف قائلون باستحالة العلو المكاني عليه تعالى خلافا لبعض الجهلة الذين يخبطون خبط عشواء في هذا المقام فإن السلف والخلف متفقان على التنـزيه. انتهى
وهذا ما قاله الشيخ الفقيه يوسف الدجوي المصري المالكي (ت 1365 هـ) عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في مصر ما نصه (واعلم أن السلف قائلون باستحالة العلو المكاني عليه تعالى خلافًا لبعض الجهلة الذين يخبطون خبط عشواء في هذا المقام، فإن السلف والخلف متفقان على التنـزيه) وقال أيضًا (هذا إجماع من السلف والخلف). اهـ
 
كما وأصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا عاما تحت رقم 2514 لسنة 2005 تحث المسلمين على الثبات على العقيدة السنية، ومما جاء في البيان (من ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان، لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شىء من خلقه، بل هو خالق كل شىء وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين، وقد عبر عن ذلك أهل العلم بقولهم كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان، لم يتغير عما كان) وأما ما ورد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على علو الله عز وجل على خلقه فالمراد بها علو المكانة والشرف والهيمنة والقهر، لأنه تعالى منـزه عن مشابهة المخلوقين، وعقيدة الأزهر الشريف هي العقيدة الأشعرية وهي عقيدة أهل السنة والجماعة. انتهى بيان دار الإفتاء المصرية.
وقال المفسّر الفقيه أبو محمد عبد الحق بن عَطِيَّة الأندلسيّ المالكي (ت 542 هـ) في تفسيره عن معنى ءاية (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) النَّحْل 50 ما نَصُّه (وقوله (مِنْ فَوْقِهِمْ) يَحْتَمِلُ مَعْنَيين أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان، والآخر أنْ يَتَعَلَّق قوله (مِنْ فَوْقِهِمْ) بقوله (يَخافُونَ)، أي يَخافون عذابَ رَبِّهِم مِن فَوْقِهم وذلك أنَّ عادةَ عَذابِ الأُمَمِ إِنّما أَتَى مِن جِهَة فَوْقٍ). انتهى
 
وقال المفسر الإمام أبو عبد الله محمد شمس الدين القرطبي المالكي (ت671 هـ) في كتابه الجامع لأحكام القرءان ما نصه (والعليُّ يراد به علوُّ القدر والمنزلــة لا علوُّ المكان لأن الله منزه عن التحيز). اهـ
 
وقال الإمامُ المُفَسِّرُ فخر الدين الرازِيُّ الشّافعي (ت 604 هـ) في تفسيره ما نَصُّه قوله تعالى (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) الأَنْعام 61 (اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ ءاخَرُ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ هَذِهِ الْآيَةِ الْفَوْقِيَّةَ بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْفَوْقِيَّةَ بِالْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ، كَمَا يُقَالُ أَمْرُ فُلَانٍ فَوْقَ أَمْرِ فُلَانٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْلَى وَأَنْفَذُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الْفَتْحِ 10، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) مُشْعِرٌ بِأَنَّ هَذَا الْقَهْرَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالْفَوْقِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِصِفَةِ الْقَهْرِ هِيَ الْفَوْقِيَّةُ بِالْقُدْرَةِ لَا الْفَوْقِيَّةُ بِالْجِهَةِ، إِذِ الْمَعْلُومُ أَنَّ الْمُرْتَفِعَ فِي الْمَكَانِ قَدْ يَكُونُ مَقْهُورًا). انتهى
 
وقال ابن عادل الحنبلي (ت 775 هـ) في تفسيره ما نَصُّه (استَدَلَّ المشبهة بقوله تعالى (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ) على أنه تعالى فوقهم بالذات والجواب أن معناه يخافون ربَّهم مِن أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيهم العَذابَ مِن فَوْقِهم، وإذا احتَمَل اللَفْظُ هذا المعنى سَقَطَ اسْتِدْلالُهم، وأيضًا يجب حمل هذه الفوقية على الفوقية بالقدرة، والقهر والغلبة لقوله تعالى (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) الأعراف 127. انتهى
 
وقالَ أهلُ الحقّ ليس الشأنُ في عُلوّ الجهةِ بل الشأنُ في علوّ القدرِ، والفوقية في لغةِ العربِ تأتي على معنيينِ فوقية المكانِ والجهةِ وفوقية القدرِ قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون (وإنا فوقهم قاهرون) أي نحنُ فوقَهُم بالقوةِ والسيطرةِ لأنه لا يصحُّ أن يقالَ إن فرعونَ أرادَ بهذا أنه فوقَ رقابِ بني إسرائيلَ إلى جهةِ العلوّ إنما أرادَ أنهُم مقهورونَ لَهُ مغلوبونَ، فقول الله تعالى إخباراً عن فرعون الكافر (أنا ربكم الأعلى) معناه علو القدر، وكذا قوله (وإنا فوقهم قاهرون) أي فوقية القوة والسيطرة وليس فوقية المكان، فلهذا نص العلماء أن الفوقية والعلو أذا أطلق على الله فالمراد منه علو قدر وفوقية قهر سبحانه وتعالى وليس علو مكان وجهة لأن الله كان قبل الخلق والمكان والجهات بلا مكان كما أجمع كل علماء أهل السنة على ذلك ونص على ذلك ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري.