إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

سؤال : رجل أصدق امرأته ذهبا ولم تقبضه فهل عليها زكاة؟
 
الجواب :
 
الصداق دَين للمرأة في ذمة الرجل، فحكم زكاته حكم زكاة الدين، فينظر فيه إن كان حالا أو مؤجلا، وإن كان على معترف به باذل له أو على معسر، واعلم أن الصداق قد يكون أقل من عشرين مثقالا من الذهب، وتجب فيه الزكاة بسببه على المرأة، وذلك بأن يكمل لها النصاب بضمه إلى ما تملكه من ذهب.
 
في كتاب المدونة للإمام مالك :
 
ما قول مالك في الدين يقيم على الرجل أعواما لكم يزكيه صاحبه إذا قبضه؟
 
فقال: لعام واحد.
 
قلت: وإن كان الدين مما يقدر على أخذه فتركه أو كان مفلسا لا يقدر على أخذه منه فأخذه بعد أعوام أهذا عند مالك سواء؟
 
قال: نعم عليه زكاة عام واحد إذا أخذه وهذا كله عند مالك سواء. اهـ
 
قال النووي في المجموع :
 
اتفقت نصوص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب رحمهم الله تعالى على أن المرأة يلزمها زكاة الصداق إذا حال عليه الحول، ويلزمها الإخراج عن جميعه في آخر الحول بلا خلاف وإن كان قبل الدخول، ولا يؤثر كونه معرضًا للسقوط بالفسخ بردة أو غيرها أو نصفه بالطلاق. انتهى
 
قال في قرة العين :
 
يجب أداؤها (الزكاة) فورًا بتمكن بحضور مال ومستحقيها وحلول دين مع قدرة ولو أصدقها نصابَ نقدٍ زكته. اﻫ
قال الشارح:
 
وحلول دين من نقد أو عرض تجارة مع قدرة على استيفائه بأن كان على مليء حاضر باذل أو جاحد عليه بينة أو يعلمه القاضي أو قَدَرَ هو على خلاصه فيجب إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على قبضه، أما إذا تعذر استيفاؤه بإعسار أو مطل أو غَيبة أو جحود ولا بيِّنة فكمغصوب فلا يلزمه الإخراج إلا إن قبضه. وتجب الزكاة في مغصوب وضالٍّ لكن لا يجب دفعها إلا بعد تمكنٍ بعودةٍ إليه ولو أصدقها نصابَ نقدٍ وإن كان في الذمة أو سائمة معينة زكته وجوبًا إذا تم حول من الإصداق وإن لم تقبضه ولا وطئها لكن يشترط إن كان النقد في الذمة إمكان قبضه بكونه موسرًا حاضرًا. اﻫ
 
وفي التنبيه للشيرازي مع شرحه للسيوطي: (وفي المال المغصوب والضال والدين على مماطل) أي ممتنع من الأداء، ومثله الغائب والجاحد ولا بينة والمعسر والدَّين المؤجَّل (قولان: أصحهما أنه تجب فيه الزكاة) ولا يجب دفعها حتى يعود في الكل فيخرجها عن الأحوال الماضية فإن تلف قبله سقطت، والثاني: لا تجب فيه لتعطيل نمائه وفائدته على مالكه بخروجه من يده وامتناع تصرفه فيه. اهـ
 
وفي كتاب المنهاج للنووي وشرحه للشربيني :
 
(وفي الجديد إن كان حالا وتعذر أخذه لإعسار وغيره) كمطل أو غيبة مليء وجحود (فكمغصوب) فتجب فيه في الأظهر ولا يجب إخراجها حتى يحصل ولو كان مقرا له في الباطن وجبت الزكاة دون الإخراج قطعا قاله في الشامل. (وإن تيسر) أخذه بأن كان على مليء مقر حاضر باذل أو جاحد وبه بينة أو يعلمه القاضي وقلنا يقضي بعلمه (وجبت تزكيته في الحال) لأنه مقدور على قبضه فهو كالمودع. وكلامه يفهم أنه يخرج في الحال وإن لم يقبضه وهو المعتمد المنصوص في المختصر وقيل لا حتى يقبضه فيزكيه لما مضى ولو أمكنه الظفر بأخذ دينه من مال الجاحد حيث لا بينة من غير خوف ولا ضرر لم يجب الإخراج في الحال كما هو المختار من كلام الشيخين وغيرهما وإن كان قضية كلام ابن كج و الدارمي تزكيته في الحال. (أو مؤجلا فالمذهب أنه كمغصوب) ففيه القولان وقيل تجب الزكاة قطعا وقيل عكسه. (وقيل يجب دفعها قبل قبضه) كالغائب الذي يسهل إحضاره. اهـ
 
وفي كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي :
 
(مسألة) (ومن كان له دين على ملي من صداق أو غيره زكاه إذا قبضه لما مضى) الدين على ضربين أحدهما دين على معترف به باذل له فعلى صاحبه زكاته الا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيزكيه لما مضى. يروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وبهذا قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال عثمان بن عفان وابن عمر وجابر وطاوس والنخعي وجابر بن زيد والحسن والزهري وقتادة والشافعي وإسحق وأبو عبيد: عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه أشبه الوديعة. اهـ
 
وقال أيضا: (مسألة) (وفي الدين على غير الملي والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان) هذا الضرب الثاني وهو الدين على المماطل والمعسر والمجحود الذي لا بينة به والمغصوب والضال حكمه حكم الدين على المعسر وفي ذلك كله روايتان، إحداهما لا تجب فيه الزكاة وهو قول قتادة واسحق وأبي ثور وأهل العراق لانه مال ممنوع منع غير قادر على الانتفاع به أشبه الدين على المكاتب والرواية الثانية: يزكيه إذا قبضه لما مضى، وهو قول الثوري وأبي عبيد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين المظنون إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى، وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد ولأنه مال يجوز التصرف فيه أشبه الدين على الملئ ولأن ملكه فيه تام أشبه ما لو نسي عند من أودعه؟ وللشافعي قولان كالروايتين وعن عمر بن عبد العزيز والحسن والليث والاوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد لأنه كان في ابتداء الحول في يده، ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد. اهـ
وقال: (فصل) وحكم الصداق حكم الدَّين لانه دين للمرأة في ذمة الرجل. فإن كان على ملئ وجبت فيه الزكاة فإذا قبضته أدت لما مضى، وإن كان على جاحد أو معسر فعلى الروايتين، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده. اهـ
 
وفي كتاب مراقي الفلاح لابن عمار الشرنبلالي الحنفي: -وزكاة الدَّيْنِ على أقسام فإنه قوي ووسط وضعيف- ثم قال: والضعيف وهو بدل ما ليس بمال كالمهر والوصية وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والدية وبدل الكتابة والسعاية لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض نصابًا ويحول عليه الحول بعد القبض وهذا عند الإمام وأوجبا عن المقبوض من الديون الثلاثة بحسابه مطلقًا. اهـ