إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الاسْتِبْرَاءُ والاسْتِجْمَارُ وَالاسْتِنْجَاءُ
 
الاسْتِبْرَاءُ هُوَ اسْتِخْرَاجُ مَا فِي الـمَحَلَّيْنِ مِنَ الأَذَى، قَالَ ابْنُ الْجَلاَّبِ : وَفِي التَّوْضِيحِ هُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الـمَخْرَجَيْنِ، وَالأَخْبَثَانِ بِالـمُثَلَّثَةِ البَوْلُ وَالغَائِطُ، وَمَعْنَى كَلاَمِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ أَنْ لاَ يُبَادِرَ بِالاسْتِنْجَاءِ بِالـمَاءِ وَلاَ بِالاسْتِجْمَارِ بِالأَحْجَارِ مَثَلاً بَلْ يَتَرَبَّصُ حَتَّى تَنْقَطِعَ مَادَّةُ الْخَارِجِ مِنَ الـمَحَلَّيْنِ ويُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ وَيُدْرِكَ انْقِطَاعَ ذاك بِالإحْسَاسِ بِهِ، وَلاَ إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الغَائِطِ وَالبَوْلِ مِنَ الـمَرْأَةِ، وَأَمَّا البَوْلُ مِنَ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي الذَّكَرِ بَقِيَّةُ مَا خَرَجَ، فَلِذَلِكَ أُمِرَ بِأَنْ يسلته سَلْتًا خَفِيفًا وينثره نثرا خَفِيفًا. وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ ذَكَرَهُ بِيُسْرَاهُ وَيَجْعَلَهُ بَيْنَ سَبَّابَتهِ وَإِبْهَامِهِ وَيُـمِرَّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إِلَى ءَاخِرِهِ وَإِنَّـمَا أُمَرَ بِتَرْكِ الشَّدِّ فِي السَّلْتِ لأَنَّهُ يُرْخِي الـمَثَانَة وَلاَ تَحْدِيدَ فِي الـمَرَّاتِ لأَنَّ أَمْزِجَةَ النَّاسِ مُخْتَلِفَة. الشَّيْخُ زَرُّوق : وَقَدْ جُرِّبَ لِطُولِ البَوْلِ أَنْ يُـمِرَّ بِأُصْبُعِهِ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْحَاصِلَ وَيَـمْنَعُ الوَاصِلَ. اللَّخْمِيُّ : مَنْ عَادَتُهُ احْتِبَاسُ بَوْلِهِ فَإِذَا قَامَ نَزَلَ مِنْهُ وَجَبَ عليه أَنْ يَقُومَ ثُـمَّ يَقْعُدَ. اهـ هكذا هَذَا حُكْمُ الاسْتِبْرَاءِ وَصِفَتُهُ.
 
وَأَمَّا إِزَالَةُ مَا عَلَى ظَاهِرِ الـمَخْرَجَيْنِ مِنَ الأَذَى بِالـمَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَحُكْمُهُ يَأْتِي.
 
الاسْتِجْمَار بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ أَيْ يَكْفِي عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالـمَاءِ فِي بَوْلِ الذَّكَرِ، وَفِي الغَائِطِ مَا لَمْ يَنْتَشِرْ ذَلِكَ الـمَذْكُورُ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ عَنِ الـمَخْرَجِ كَثِيرًا فَلاَ بُدَّ فِيهِ حِينَئِذٍ مِنَ الاسْتِنْجَاءِ بِالـمَاءِ، وَأَمَّا بَوْل الـمَرْأَةِ لاَ يَكْفِي فِيهِ الاسْتِجْمَارُ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الـمَاءِ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ الـمَاءُ فِي الـمَذْيِ وَالـمَنِيِّ حَيْثُ يَجِبُ مِنْهُ الوُضُوءُ فَقَطْ (1) أَوْ لِـمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّم إِذَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الـمَاءِ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ، وَكَذَا يَتَعَيَّنُ الـمَاءُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِـمَنْ فَرْضُهَا التَّيَمُّم كَمَا فِي الـمَنِيِّ، وَالاسْتِجْمَارُ مَسْحُ الـمَخْرَجِ مِنَ الأَذَى بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.
 
وَالاسْتِنْجَاءُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنَ الـمَخْرَجَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالـمَاءِ الـمُطْلَقِ عَنْ ظَاهِرِ الـمَحَلِّ الذِي خَرَجَتْ مِنْهُ.
 
وَالاسْتِنْجَاءُ وَالاسْتِجْمَارُ مِنْ بَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ يَجِبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالقُدْرَةِ وَيَسْقُطُ مَعَ العَجْزِ وَالنِّسْيَانِ وَيَكْفِي الاسْتِجْمَارُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الـمَاءِ عَلَى الـمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَإِنَّـمَا يَكْفِي مَعَ عَدَمِ الـمَاءِ لاَ مَعَ وُجُودِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الاسْتِجْمَارِ بِالأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا وَالاسْتِنْجَاءِ بِالـمَاءِ أَوْلَى مِنَ الاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَلاَ بُدَّ فَالاقْتِصَارُ عَلَى الـمَاءِ أَوْلَى مِنَ الاقْتِصَارِ عَلَى الأَحْجَارِ، وَهَلْ الـمَطْلُوبُ فِي الاسْتِجْمَارِ الإنْقَاءُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ أَو العَدَدُ مَعَ الإنْقَاءِ ؟ قَوْلاَنِ.
وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ تَكْفِي ثَلاَثَةُ أَحْجَارٍ لِلْـمَخْرَجَيْنِ مَعًا أَوْ لِكُلِّ مَخْرَجٍ ثَلاَثَة ؟ قَوْلاَنِ.
 
وَفِي إِجْزَاءِ حَجَرٍ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ ؟ قَوْلاَنِ.
 
وَفِي إِمْرَارِهَا عَلَى جَمِيعِ الـمَحَلِّ أَوْ لِكُلِّ جِهَةٍ وَاحِدٌ وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ ؟ قَوْلاَنِ. حَكَى هَذِهِ الأَقْوَال ابْنُ الْحَاجِبِ.
 
(1) قوله (والـمني حيث يجب منه الوضوء فقط) يعني ولم يوجب الغسل إن لم يخرج مقارنا للذة الـمعتادة.