إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (سورة النساء آية 34).
 
معنى قولِهِ تعالى (الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاء) أي الرجالُ يقومونَ بالنفقةِ على النساءِ والذبِّ عنهن، والقَوَامَةُ أي الرئاسةُ، فالرجالُ لهمْ سلطةُ التوجيهِ والرعايةِ، لأنهم أقوى فَهمًا، وأقوى عقلًا، وأقوى جسدًا، وأقوى في تحملِ المشقةِ والصبرِ، ولهم زيادةُ قوةٍ في النفسِ والطبعِ ما ليسَ للنساءِ، لأجلِ هذا جعلَ اللهُ للرجالِ قواميةً على النساءِ، ولأجلِ هذا جعلَ اللهُ النبوةَ في الرجالِ ولا يوجدُ في النساءِ نبياتٌ بلْ يوجدُ صالحاتٌ كمريمَ وءاسيةَ زوجةِ فرعونَ وخديجة وفاطمة رضي الله عنهن، فينبغيْ للنساءِ أنْ يفهمنَ هذا ويقْنَعنَ ويُسَلِّمْنَ لله تعالى، فمنْ سلَّم للهِ تعالى سَلِمَ.
 
فقوَّاميةُ الرجلِ على زوجتهِ أن يقوم بالنفقةِ والمسكن والملبس، وأنه إن أدى ذلك، ينبغي منها طاعتُه وقَبولُ أمره ما لم تكن معصية، لذلك حرّم اللهُ عليها أن تخرجَ من بيتهِ بلا إذنهِ لغيرِ ضرورةٍ، وحرّم عليها أن تُدخلَ بيتَه من يكره، سواءٌ كانَ قريبًا لها أو لا، وحرّم اللهُ عليها أيضًا أن تمنعَه حقَّه من الاستمتاعِ وما يدعو إلى ذلك من التزينِ إلا في حالةٍ لها فيها عذرٌ شرعي، وتعليل ذلك بالفضيلةِ والنفقةِ والعقلِ والقوةِ في أمرِ الجهادِ والميراثِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ.
 
وفَهِمَ العلماءُ من قول الله تعالى (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) أنه متى عجَز عن نفقتها لم يكن قوّامًا عليها، وسقطَ ما له من منْعها منَ الخروج، وإذا لم يكن قوَّامًا عليها كان لها فسخُ العقد أي بعدَ رفعِ الأمرِ إلى القاضي الشرعي لأنه إذا خرجَ منْ كونه قوّامًا عليها فقد خرجَ عنِ الغرضِ المقصودِ بالنكاحِ، وفيه دِلالةٌ واضحةٌ من هذا الوجه على ثُبوتِ فسخ النكاح عند الإعسارِ بالنفقةِ والكِسوةِ وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ.