إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه، وبعد،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ الصَّالحِينَ يُشَدَّدُّ عَلَيهِم) رواه أحمد وابن حبان والحاكم.
 
الأنبياءُ والأولياءُ يُشَدَّدُ عَليهِم في حَالِ الصِّحّةِ وقَبلَ الموتِ وعِندَ الموت، لِيَعظُمَ أَجْرُهُم لأنهُم يَصبِرُونَ، ثم بَعضُ النّاسِ اللهُ تَعالى يميتُهم فَجأةً بدُونِ مَرض، هؤلاء قِسمَان قِسمٌ مِنهُم أَولياءُ الله وقِسمٌ مِنهُم أَعدَاءُ الله، الذينَ هُم أولياءُ الله فأَمَاتهُم اللهُ فَجأةً مِن دُونِ أن يُقاسُوا ءالامًا رَحمةً بهم، وأمّا أولئكَ الذينَ هُم فجّارٌ أو كُفّار بذُنوبهِم.
 
مَن كانَ مُسلِمًا الله يخفِّفُ عنهُ بهذِه الشّدّةِ بعضَ ذُنوبِه، أمّا الكافِرُ لا يَستَفِيدُ شَيئًا، نَبيّ اللهِ سُلَيمان ماتَ فَجأةً مِن غَيرِ مَرضٍ ووَالِدُه دَاود كذلكَ مَاتَ فَجأةً، بَعضُ النّاسِ مِنَ الجَهلِ يقُولُونَ إذَا مَاتَ الشّخصُ فَجأةً هَذا غَضَبٌ مِنَ الله، هَذا كذِبٌ.
 
الرسولُ علَيهِ السّلام الحُمّى التي كانت تُصِيبُه كحُمّى رجُلَين لأنّ مَرتَبتَه أَعلَى وصَبرَه أَقوى ورضَاه بقَضاءِ اللهِ أَقوَى مِن غَيرِه، لكنّ بعضَ الناسِ إذَا اشتَدَّت علَيهِم عندَ الموتِ الآلامُ قَد يَكفُرونَ، قَد يَعتَرضُونَ على الله، أو يَقتُلونَ أَنفُسَهُم فيَمُوتُون مِيْتةَ سُوء، الذينَ يَعتَرِضُونَ على الله يموتُونَ كافِرينَ.
 
هُناك عندَ الموتِ امتِحَانٌ، الله يمتَحِنُ عِبادَه، بَعضُهم يَصبِرُونَ ولا يخرُج مِن أَلسِنَتِهم شَىء يَكرهُه الله، يتَحمّلُون الأذَى تِلكَ السّاعة مَهمَا اشتَدَّ عَليهِم الألم، وبعضُ النّاسِ تِلكَ السّاعة يَكفُرون، الشّيطانُ تِلكَ السّاعة يَبذُل جُهدَه في إغواءِ هَذا الشّخص، قَد يَظهَرُ لهُ مِن غَيرِ أن يَظهَرَ لغَيرِه فيُكلّمُه، بعضُ النّاسِ يُصَابُونَ بعَطشٍ شَديدٍ عندَ الموتِ وحَركاتهُم ضَعِيفَةٌ مُنهَارةٌ، لا يتَمكّنُون مِن تَناوُلِ الماء بأَيدِيهِم، الشّيطَانُ يُظهِرُ لهُ شيئًا بهيئةِ شَرابٍ يقولُ لهُ أنا أَسقِيكَ إن كَفرتَ، الذي يموتُ فجأةً خَلَصَ مِن هَذا.
 
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَوْعُوْكٌ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَا أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلاَءُ، وَيُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ)، ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً؟
قَالَ (الأَنْبِيَاءُ).
قَالَ ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ (ثُمَّ الْعُلَمَاءُ).
قَالَ ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ (ثُمَّ الصَّالِحُونَ كَانَ أَحَدُهُمْ يُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يَلْبَسُهَا وَيُبَتَلَى بِالْقَمْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ وَلأَحَدُهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِالْبَلاَءِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِالْعَطَاءِ) رواه البيهقي في السنن والحاكم في المستدرك.