إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

حديث (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ).
 
روى البخاري وغيرُه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال (إنّ للهِ عِبادًا لَو أَقسَمُوا على اللهِ لأَبَرَّهُم) أي يُعطيهِم ويُحقِّقُ مُرادَهم كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيرُه (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ) مَعناه كثيرٌ منَ المؤمنينَ (أَشعَثُ) أي لا يتَمكّنُ مِن خِدمةِ جَسدِه، مِن شِدّةِ البؤسِ والفَقر يَترُكُ شَعَره مُنتَفِشًا لا يُسرّحُه، لا يتَمكّنُ مِن تَسريحِه على حَسبِ العادةِ،
 
وقولُه (أغْبرَ) أي ثِيابُه لا يَستَطيعُ أن يَتعَهّدَها بالغَسلِ والتّنظِيف من شِدّةِ البؤسِ والفَقرِ بل تَعلُوهَا الغبَرةُ،
 
وقولُه (ذِي طِمرَينِ) أي يَلبَسُ طِمرينِ أي ثَوبَينِ ثَوبًا للنّصفِ الأعلَى وثوبًا للنِّصفِ الأسفَل،
 
وقولُه (مَدفُوعٍ بالأبوابِ) معناه الناسُ لا يُقدّرونَه يُدفَع بالأبواب، إذا جاءَ لحاجةٍ إلى بابِ إنسانٍ يُدفَع مِن رثَاثةِ ثيابهِ وهيئتِه ولا يُمكّنُ منَ الدُّخُولِ لأنَّ شَعَرَهُ أَشعثَ وثيابَه مُغبرّة، هذا العَبدُ لهُ عندَ اللهِ مَنـزلةٌ عَالية بحيثُ (لو أَقسَم على اللهِ لأبَرَّه) أي لو قالَ يا ربّ أُقسِمُ علَيكَ أن تَفعلَ بي كَذا أو أن تفعلَ بفلان كذا يُنفّذُ له إقسَامَه أي يُعطِيْه مُرادَه، لكنْ هؤلاءِ قُلوبُهم متعلّقةٌ بالآخرة، قَلّ أن يَطلُبوا أمرًا دُنيَويّا يتعَلّقُ بالمعيشةِ، فهؤلاء لو أَقسَمُوا على الله فهو لمصلحَةٍ دِينيّة لا لشَهواتِ أَنفُسِهم.