إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قَالَ الله تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (سورة البقرة آية 156).
عَن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ (أَيْ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَجَزَاءُ صَبْرِهِ وَهَمِّهِ فِي مُصِيبَتِهِ) فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا)، قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي روايةٍ قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَت فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقولها (مَنْ خَيْرٌ) بفتح الميم وتنوين راء خير المضمومة. رواه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يُقال عند المصيبة.
وقولنا (إِنَّا للهِ) إقرار منا له تعالى بالملك والسلطان التام.
وقولنا (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إقرار على أنفسنا بالهلاك.
واعلم أنَّ الرجوع إليه ليس عبارة عن الانتقال إلى مكان أو جهة، فإنَّ المكان على الله محال لأنَّ اللهَ خالقه وخالق ما سواه فلا يحتاج سبحانه إلى شىء، بل هو بمعنى القدرة وترك المنازعة.
وفي كلمة (إِنَّا للهِ) إعلام واضح بأننا مملوكون للهِ الذي أوجدنا وخلق أعمالنا وحركاتنا ونيَّاتنا وخواطرنا سبحانه، وبيده أي وتحت قدرته وبإرادته تصريف أمور الخلق كلهم.
وكلمة (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إشارة إلى أنه لا بُدَّ من البعث والحشر والقيامة، قوم إلى الجنة وقوم إلى النار، نعوذ بالله من جهنم.
فمن عرف عند نزول المصيبة به أنه لا بد في العاقبة من رجوعه إلى الله تعالى، وفي ذلك اليوم يحصل له السرور بها إن لم يعصِ الله بسببها، يكون ذلك تخفيفًا وسلوة له.
وفي الاسترجاع فائدة عظيمة تظهر بركة تسليم المؤمن أمره إلى ربه واتكاله عليه سبحانه وهو العالم بكل شىء، لا تخفى عليه خافية، قال الله تعالى (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (سورة الملك 14) وبذلك استدلَّ علماء التوحيد على إثبات علم الله الأزلي لأنَّ من شرط الخالق أن يكونَ عالمًا بما خلق، سبحانه ليس كمثله شىء.