إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قول اللَّه تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ (سُورَةَ الْفَتْح آية 13).
 
هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِيـمَانَ بِمُحَمَّدٍ لا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ الإِيـمَانِ أَيْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ بِحَيْثُ إِنَّ مَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ عَانَدَ الْقُرْءَانَ، وَهَذِهِ الآيَةُ أَيْضًا تُعْطِي أَنَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِنَ الْفَرَائِضِ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ خَالِدًا فِي النَّارِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَإِنَّا أَعْتَدْنَا﴾ أَيْ هَيَّأْنَا ﴿لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ أَيْ نَارَ جَهَنَّمَ لِكُفْرِهِمْ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ حَيْثُ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ كَافِرٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُنْتَسِبِينَ لِلتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ لِأَنَّ الْقُرْءَانَ سَمَّاهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَسَمَّاهُمْ كَافِرِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ. وَالتَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ الْمُنَزَّلانِ فِيهِمَا الأَمْرُ بِالإِيـمَانِ بِمُحَمَّدٍ غَيْرَ أَنَّ هَؤُلاءِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمَا لَمْ يَعْمَلُوا بِالْكِتَابَيْنِ وَلَوْ عَمِلُوا بِهِمَا لَاتَّبَعُوا مُحَمَّدًا لِأَنَّ الْكِتَابَيْنِ حُرِّفَا تَحْرِيفًا بَالِغًا وَحُذِفَ مِنْهُمَا ذِكْرُ الإِيـمَانِ بِمُحَمَّدٍ، وَالآنَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْبَشَرِ إِلَّا الْمُحَرَّفُ، وَلِأَجْلِ انْتِسَابِ الْيَهُودِ إِلَى التَّوْرَاةِ وَالنَّصَارَى إِلَى الإِنْجِيلِ انْتِسَابًا بِاللَّفْظِ سَمَّاهُمُ الْقُرْءَانُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكَفَّرَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ (سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان 70).
 
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى كُفْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ (سُورَةَ الْبَيِّنَة 6) أَيْ شَرُّ الْخَلْقِ، وَبَعْضُ النَّاسِ الْجُهَّالِ يَقُولُونَ الْقُرْءَانُ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعْنَاهُ لَيْسُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا وَهَذَا جَهْلٌ بِاللُّغَةِ لِأَنَّ (مِنْ) هَذِهِ بَيَانِيَّةٌ وَلَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ مَعْنَاهُ الْكُفَّارُ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ.
 
فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيْحَةٌ فِي تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يَكُونُ قَدْ عَانَدَ الْقُرْءَانَ وَمَنْ عَانَدَ الْقُرْءَانَ كَفَرَ، مَنْ خَالَفَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فَأَنْكَرَ الإِيـمَانَ بِمُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الإِنْسَانَ يَكُونُ مُؤْمِنًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ إِيـمَانٍ بِمُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَا أَنَّهُ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِ عِيسَى أَوْ زَمَانِ مُوسَى أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِذَا كَذَّبَ أَحَدًا مِنْهُمْ وَاعْتَرَفَ بِوُجُودِ اللَّهِ وَلَمْ يَعْبُدْ غَيْرَهَ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ هَؤُلاءِ لِيُصَدَّقُوا وَيُتَّبَعُوا فَتَكْذِيبُهُمْ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ.