إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

عند بعض المالكية من قال في الصلاة (آهْ) إنْ كان لخشية الله أو خوف النار أو خوف العذاب قالوا لا تبطل الصلاة، أما عند الشافعية لأي شيء قالها في الصلاة بطلت.
 
قال الفقيه الأصولي المالكي ابن جزي الكلبي الغرناطي في القوانين الفقهية (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَا يشبه القَوْل فالنفخ غير مُبْطل وَقيل يبطل عمده وَيسْجد لسَهْوه والبكاء خشوعا حسن وَإِلَّا فَهُوَ كَالْكَلَامِ والأنين كَالْكَلَامِ إِلَّا أَن يضْطَر إِلَيْهِ والقهقهة تبطل مُطلقًا وَقيل فِي الْعمد والتبسم مغتفر وَقيل يسْجد لَهُ بعد السَّلَام لِأَنَّهُ زِيَادَة وَقيل قبل السَّلَام لنَقص الْخُشُوع والتنحنح لضَرُورَة لَا يبطل ودونها فِيهِ قَولَانِ وَقِرَاءَة كتاب إذا حرك بِهِ لِسَانه كَالْكَلَامِ والإ فمغتفر إلّا أن يطول.
 
الشافعية قالوا من كبّرَ أو هلّلَ أو قرأَ ءاية بقصد التنبيهِ والإعلامِ من دون نيةِ القراءة والذكرِ فسدت صلاته وقال بعضُهم ما كان من ألفاظ الذكرِ والله أكبر لو قصدَ الإعلامَ فقط لا تبطل الصلاة أما إنْ جمع بينَ الذكر والقراءة والإعلام فلا تبطل مطلقاً.
 
(يا يحيٰ خُذْ الكتابَ) هذه الجملة من القرءان، (ادخلوها بسلامٍ آمنين) كذلك جملةٌ من القراءن فإذا قال الآية الاولى بقصدِ أنْ يُعْلِمَ الشخص أن يأخذَ غرضاً ولم ينوِ إلاَّ الإعلامَ بطلتْ أما إن نوى القراءة والإعلامَ فلا تبطل كذلك (ادخلوها بسلام ءامنين) من قرأها لمن أرادَ أنْ يدخلَ، لمن طرقَ البابَ يُعْلِمُهُ بأنّهُ يؤذَنُ له بالدخول (ادخلوها بسلامٍ ءامنينَ) قال بنيةِ الإعلام فقط والقراءةِ فلا تبطل صلاته وقال بعضهم تبطل إن لم ينوِ معه الذكر، أما الكلام العادي يبطل الصلاةَ إلاَّ أنه في مذهب مالك إن تكلمَ بما هو من مصلحة الصلاةِ فلا تبطل الصلاة بذلك الكلام كأن يقول لمن تقدّم في الصفِ ارجعْ فعَدّلِ الصّفَ معنا مثلُ هذا عندهم لا يبطل، يعني في مذهب الإمام مالك الكلام الذي يتكلّم به الإنسان مماهو من مصالح الصلاة لا يُبْطِلْ، في بدأ الأمر الكلام في الصلاة ما كان يُبْطِلْ، ثمّ الله تعالى أنزلَ الوحيَ على رسول الله بأن الكلام يُبْطل الصلاةَ.
 
وقال الفقيه الإمام الكبير أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازَري المَالكي في شرح التلقين (أما كلام المتعمد المضطر للكلام لإصلاح الصلاة كالمأموم يتكلم ليشعر إمامه بسهو دخل عليه فاختلف فيه فالمشهور أنه لا يبطل الصلاة وقال المغيرة يبطل الصلاة والأصل في هذه المسألة كلام ذي اليدين وقد ذكرنا ما تأوله ابن كنانة فيه وأشرنا إلى قول بعض المتأخرين أن كلام من أجاب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة لا يقاس عليه لأن الاستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بها وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم أنسًا لما دعاه وهو في الصلاة على أن من حقه أن يجيبه وتلا عليه قوله تعالى (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) (1) الآية.
 
(1) سورة الأنفال، الآية 24.