إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

عِنْدَ مَالِكٍ السُّجُودُ عَلَى شَىْءٍ نَاعِمٍ مَكْرُوهٌ، قَالَ مُحَمَّد عِلَّيْش (1) فِي مِنَحِ الجَلِيلِ (لَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى حَصِيرٍ خَشِنٍ كَالْحَلْفَاءِ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْحَصِيرِ النَّاعِمِ كَحُصُرِ السَّمَرِ).
وفي التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب لخليل بن إسحاق الجندي (وَتُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الأَرْضِ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَفِي غَيْرِهِمَا مُخَيَّرٌ، فَإِنْ عَسُرَ لِحَرَّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ سَجَدَ عَلَى [57 / ب] مَا لا تَرَفُّهَ فِيهِ كالخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَمَا تُنْبِتُهُ الأَرْضُ، بِخِلافِ ثِيَابِ الصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ، وَالأَوْلَى وَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى مَا يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ) قال الشارح (أي خليل) استُحِبَّت المباشرة لأنَّ ذلك مِن التواضع، ولذلك لم يتخذ في مسجدي الحرمين حصير، وحكى أبو طالب في القوت أن تحصير المساجد من البدعِ المحدثة.
والْمَشْهُورِ كراهة ثياب القطن والكتان، وأباح ذلك ابن مسلمة، والخُمْرُة فرشٌ صغيرٌ، قال ابنُ بشير قال المحققون إذا كان الأصلُ الرفاهيةَ، فكل ما فيه رفاهيةٌ -ولو كان مما تنبته الأرض كالحصر السَّامَان- فإنه يكره، وكلُّ ما لا تَرَفُّهَ فيه فإنه لا يكره، ولو كان مما لا تنبته الأرض كالصوف الذي لا يقصد به الترفه وهذا إنما يكره في الوجه والكفين، وأما غيرهما من الأعضاء فيجوز أن توضع على كلِّ طاهرٍ، والفرقُ تعلقُ الخضوعِ بهما ووجهُ استحباب وضع اليدين على ما يضع عليه الوجه أنهما يُرفعان مع الوجه ويُوضعان مع الوجه، فوجب أن يكون حكمُهما في ذلك حكمَه.
وفي قول المصنف (فَإِنْ عَسُرَ) نظرٌ لأنه يقتضي أنه إنما يجوز ما تنبته الأرض مع العسر، والمذهبُ جوازُ ذلك اختيارًا).
 
(1) الشَّيْخُ مُحَّمَد علَّيْش كَانَ يَحْمِلُ علَى مُحَمَّد عَبْدُه العَصَا، مُحَمَّد عَبْدُه أَفْسَدَ الأَزْهَرَ.
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد عليش الأشعري فَقِيه من أعيان المالكية مغربي الأصل تعلم في الأزهر وولي مشيخة المالكية فيه كان جريئا في الحق ينكر على أهل البدع ولو كان المبتدع ذَا منصب وجاه عند الدولة، توفي في القاهرة سنة 1299هـ رحمه الله تعالى.