إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
حديث (إنّ البَلايا أسرَعُ إلى مَن يُحِبُّنِي مِن السَّيْل إلى مُنْتَهاه) رواه أحمد والترمذي والطبراني والبيهقي.
معنَاهُ الذي يحِبُّ الرّسولَ محَبّةً كامِلةً بلاؤه يكونُ شَدِيدًا ليُناسِبَ عُلُوَّ دَرجَتِه، المؤمنُ الذى يحبُّهُ اللهُ يَحفَظُ لهُ دِينَهُ ويَبتَلِيه فى الدُّنيا كثِيرًا يَبتَلِيْهِ فى مَالِه يَأتى ظَالم يتَسلَّطُ لهُ على مَالِه أَحْيانا، ويُبتَلى فى صِحّتِه تُصِيبُه أَمراضٌ سيّدُنا أيّوب مَرِضَ ثمَانيةَ عشَرَ عَامًا لزِمَ الفِراشَ (ولم يخرُج مِنه الدّودُ كمَا يَفتَرِى البَعضُ) صَبرَ ولم يَعتَرِض على الله.
سيّدُنا زَكريّا نشَرهُ الكُفّارُ بالمنشَار وسيّدُنا يَحيى ذَبحَهُ الكُفّارُ وسيّدُنا يوسُف حُبِسَ سَبعَ سَنواتٍ، الأنبياءُ كُرمَاءُ على اللهِ لَيسُوا هَيّنِينَ، ومَع ذلكَ اللهُ يَبتَلِيْهِم لتَرتَفِعَ دَرجَاتهُم.
فى الحديثِ الصحيح (أشَدُّ النّاسِ بَلاءً الأنبياءُ ثم الأمثَلُ فالأمثَلُ يُبتَلَى الرَّجُل على حَسبِ دِينِه) رواه البخاري وأحمد والترمذي وغيرهم.
وفى الحديث الصحيح (إنّ عِبادَ اللهِ يُشَدَّدُ عَليهِم) رواه أحمد وابن حبان والحاكم، يعنى الصّالحِين.
وفى حديث ءاخر (لا يَزَالُ البَلاءُ بالمؤمِنِ فى نَفسِهِ وأَهْلِهِ ومَالِه حتّى يَلقَى اللهَ لَيسَ عَليهِ خَطِيئَة) رواه أحمد والبيهقي والحاكم.
وقال صلى الله عليه وسلّم (مَا يُصِيبُ المسلِمَ مِنْ نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمّ ولا حزَنٍ حتى الشّوكة يُشَاكُها إلا كَفّرَ اللهُ بها مِن خَطَاياهُ) رواه البخاري وأحمد وابن حبان وغيرهم.
النَّصَبُ التَّعَبُ والوَصَبُ المرَضُ.
قال الله تعالى (ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ والجُوعِ ونَقصٍ مِنَ الأموالِ والأنفُسِ والثّمَراتِ وبَشِّرِ الصَّابِرينَ الذينَ إذَا أصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا للهِ وإنّا إلَيهِ راجِعُونَ أُولئكَ عَليهِم صلَواتٌ مِن رَبهم ورَحمةٌ وأُولئكَ هُمُ المهتَدُونَ).
عبدُ الواحِد بنُ زَيد مِن أكَابِر الصّوفيّة رضيَ اللهُ عنهُ أُصِيبَ بالفَالج فدَعا اللهَ تَعالى أن يَرفَع عنه هذا البَلاءَ عندَ الصّلاةِ والطّهَارة، فاستَجابَ اللهُ لهُ دُعاءَه وكانَ عندَما يُريدُ الطّهارةَ والصّلاةَ يَذهَبُ عنهُ الفَالج.
أمّا ءاخَرُ أقدَمُ مِنهُ مِنَ التّابعِين كانَ يَقُول لهُ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُود مِن شِدّة إعجَابِه بهِ (لو رآكَ رسولُ اللهِ لأَحَبَّك) رواه الطّبراني وابن أبي شيبة، مِن شِدّة حُسنِ حَالِه، هذا أصابَه الفَالجُ فصَار يَسِيلُ اللُّعَابُ على شِدْقِه، هذا ما دعَا لنَفسِه، الرّبِيعُ بنُ خَيْثَم كانَ يُقالُ لهُ، كانَ مِنَ التّابعِينَ كانَ تَقِيّا إلى حَدّ كَبيرٍ، المصَابُ بالبَلاء يدعو اللهَ بالصّبْر، اللهُمّ اجعَلْني صَابرًا على البَلاء ويُعِينُه على الصّبر على البلاء أيضًا قولُه إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجِعُون.
لا بُدّ أن يُصَابَ الأتقياءُ بالمصَائب، مَا مِن نَبيّ إلا وأُصِيبَ ببَلاءٍ كَبِير حتى آدم أصابَهُ بَلاءٌ كثِير، خَرجَ مِنَ الجنّة التي ما فيها تعَب ولا مشَقّة، خَرج إلى هذه الدُّنيا وقاسَى المتاعِب، ثم المصَابُون بالبَلاء منهم مَن يَدعُو ومنهُم لا يَدعُو برَفع البَلاءِ عَنهُ.
سيّدُنا محمّدٌ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَخبر عن أُناسٍ مِنَ الأمَم الماضِينَ كانوا يَفرَحُونَ بالبَلاءِ أكثَر مما يَفرَحُ النّاسُ بالعَطاء.