إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الدلك ودليل إمرار اليد على البدن في الاغتسال
 
قال الشيخ خليل بن إسحاق المالكي رحمه الله (وفي الدلك ثلاثة أقوال المشهور الوجوب والثاني لابن عبد الحكم (1) نَفْيُ الوجوب والثالث أنه واجبٌ لا لنفسه بل لتحقق إيصال الماء، فمتى تحقق إيصال الماء لطول مكثٍ أجزأَهُ). اهـ
التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب.
 
وقال الفقيه الإمام الكبير المجتهد أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازَري المَالكي في شرح التلقين، باب صفة الاغتسال، ما دليل إمرار اليد على البدن؟
فالجواب عن السؤال أن يقال اختلف الناس في إمرار اليد في الغسل هل هو شرط في صحة الغسل أم لا؟ فذهب مالك والجمهور من أصحابه إلى أن ذلك شرط في صحة الغسل وذهب أبو الفرج ومحمد بن عبد الحكم من أصحابنا إلى أن ذلك ليس من شرط في صحة الغسل وبه قال أبو حنيفة والشافعي. والنكتة التي يدور عليها الخلاف، اعتبار حقيقة هذا الاسم في اللغة، فزعم أصحابنا أن حقيقة الغسل في اللغة صب الماء مع إمرار اليد، قالوا ولهذا تفرق العرب بين قولها اغتسلت وانغمست، ولا وجه في الفرق بينهما، إلا أن الغسل يعتبر فيه مرور اليد، ولا يعتبر ذلك في الانغماس، ورجحوا مذهبهم أن الغسل باستدلال شرعي فقالوا الطهارة في ذمة المكلف حاصلة فلا يبرأ منها إلاَّ بوجه متفق عليه أو بدليل يدل على براءته، ولم يوجد ها هنا دليل، فاعتبر حصول الاتفاق، وزعم المخالفون أن صب الماء بمجرده يسمى غسلًا في اللغة وإن لم يصحبه مرور اليد ولهذا يقولون غسلت الأمطار البقاع وغسل السيل موضع كذا، إذا أتى عليه، وأذهب ما فيه وإن لم يكن مع ذلك مرور اليد وهذا غير مستنكر في عرف التخاطب، ورجحوا مذهبهم أيضًا باستدلال شرعي، وهو قوله عليه السلام (فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك) فلم يوجب أكثر من الإمساس وذلك يحصل دون مرور اليد. وقوله عليه السلام إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيض عليك الماء فإذا أنت قد طهرت فأخبرها بما يكفي وهو إفاضة الماء وذلك يحصل دون إمرار اليد، ثم أكد ذلك بقوله فإذا أنت قد طهرت، فإن قيل فإن لم تبلغ يداه لموضع من جسده ما حكم ذلك الموضع؟ قيل إذا لم يمكنه أن يتلطف في ذلك باستعمال ثوب وشبهه، أو استنابة يد غيره فإن ذلك ساقط عنه ولا يخاطب في ذلك بما لا يقدر عليه لأن ذلك من تكليف ما لا يطاق وذلك مرفوع ها هنا، فإن قيل إذا كان من شرط صحة الغسل عند الجمهور منكم مرور اليد، ومتى لم يمر لم يسم غاسلًا، فيجب أن لا يكتفي بهذا الغسل المبعض بل ينتقل للتيمم، قيل ذا غلط لأنا قدمنا أن الغسل عند أكثر فقهاء الأمصار لا يشترط فيه مرور اليد مع الاختيار والقدرة، فكيف بهذا مع الضرورة والعجز؟ مع أن الشرع ورد بالمسح على الجبيرة لمشقة وصول الماء إليها وإن كان ممكنًا وصوله فكيف بهذا الذي هو فوق المسح، ومرور اليد فيه خارج عما يمكن؟ ولو قطع بعض الجسد لم يتغير الحكم في غسل بقية الجسد فكذلك ما تعذر ها هنا لا يتغير به الحكم في بقية الجسد، وإن كان يمكنه التلطف في ذلك بتطلب من ينوب عنه فهل عليه تطلبه؟ ظاهر المذهب أنه على ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك عليه لأنه شرط في صحة الطهارة فلا يسامح بإهماله، والاقتصار على ما دونه مع القدرة على تحصيل الشرط، كما على المكلف أن يتطلب الماء ولا ينتقل إلى التراب حتى ييأس والثاني ليس عليه تطلب ذلك لأن تطلب ذلك يشق، وتكليفه من الحرج والحرج مرفوع ولا يصح قياسه على تطلب الماء لأن التطهر بالتراب مع القدرة على الماء لا يصح، وترك التدليك مع القدرة عليه تصح معه الطهارة عند جمهور فقهاء الأمصار فسهل الأمر فيه والثالث التفرقة بين القليل والكثير فإن كان الذي لا تناله يده أكثر الجسد فعليه تطلب ذلك وإن كان أقل الجسد ومما لا بال له فيه عفي له عن التطلب كما عفي عن العمل اليسير في الصلاة ذهب إلى هذا أبو الحسن بن القصار.
 
(1) ابن عبد الحكم هوأبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث المالكي الإمام الفقيه مفتي الديار المصرية صاحب مالك رحمهما الله.