إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
إنَّ كثيرًا مِنْ علماءِ التَّابعينَ قَالُوا إنَّ الإمامَ مالكًا رضي الله عنه هو الذي عناه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله (يُوشِكُ أنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أكبادَ الإِبِلِ فلا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عالمِ المدينة).
عَن أَبِى هُرَيرَةَ رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال (يُوشِكُ أَن يَضْرِبَ النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ يَطلُبُونَ العِلمَ فَلاَ يَجِدُونَ أَحَدًا أَعلَمَ مِن عَالِمِ المَدِينَةِ) رواه الترمذي وقَالَ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ فِى هَذَا سُئِلَ مَن عَالِمُ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رضي الله عنه وابن عيينة من كبار السلف من مجتهديهم توفي سنة 198 للهجرة، والإمام مالك توفي في المدينة المنورة سنة 179 للهجرة، وضرب أكباد الإبل كناية عن السير السريع لأن من أراد ذلك يركب الإبل ويضرب على أكبادها بالرجل.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
الأثر المشهور الصحيح المروي عن الثقات منهم سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم) وفي رواية (يلتمسون العلم (فلا يجدون عالماً أعلم) وفي رواية (أفقه من عالم المدينة) وفي رواية (من عالم بالمدينة) وفي بعضها (آباط الإبل) مكان (أكباد الإبل).
وقد رواه المحاربي عن ابن جريج موقوفاً على أبي هريرة رضي الله عنه ومحمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن جريج أيضاً مسنداً وهو ثقة مأمون، وهذا الطريق أشهر طرقه ورجاله ثقات مشاهير خرج عنهم البخاري ومسلم وأهل الصحيح.
ورواه أيضاً المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنقضي الساعة حتى يضرب الناس أكباد الإبل من كل ناحية إلى عالم المدينة يطلبون علمه).
وأخرجه أيضاً النسائي في مصنفه مرفوعاً إلى أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم (تضربون أكباد الإبل وتطلبون العلم ولا تجدون عالماً أعلم من عالم المدينة).
ورواه أيضاً أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ آخر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم فلا يجدون عالماً من أعلم من عالم المدينة أو عالم أهل المدينة).
وذكر ابن حبيب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تنقطع الدنيا حتى يكون عالم بالمدينة تضرب إليه أكباد الإبل ليس على ظهر الأرض أعلم منه)، قال سفيان بن عُيَيْنَةَ نرى أن المراد بهذا الحديث مالك بن أنس.
من ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي (476 هـ – 544 هـ ) رحمه الله تعالى.