إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

التأويل التفصيلي معناه تعيينُ معنىً للفظ المتشابه الذي ورد في القرءان أو في الحديث، وزعم بعضهم أن التأويل التفصيلي لم يرد على السلف مردود بما في صحيح البخاري في كتاب تفسير القرءان وعبارته هناك سورة القصص (كُلُّ شَىءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) إِلا مُلْكَهُ وَيُقَالُ إِلا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، فمُلكُ الله صفةٌ من صفاته الأزلية ليس كالمُلكِ الذي يعطيه للمخلوقين، وفيهِ غيرُ هذا الموضع كتأويل الضحك الواردِ في الحديثِ بالرحمة.
 
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، المجلد الثامن كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْءانِ سورة الْقَصَصِ قوله (ويقال إلا ما أريد به وجهه) نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية، ووصله ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مجاهد مثله، ومن طريق سفيان الثوري قال (إلا ما ابتغي به وجه الله من الأعمال الصالحة). انتهى
 
وصح أيضا التأويل التفصيلي عن الإمام أحمد وهو من السلف فقد ثبت عنه أنه قال في قولهِ تعالى (وجاء ربُك) إنما جاءت قدرته، صحح سنده الحافظُ البيهقي الذي قال فيه الحافظُ صلاحُ الدين العلائي لم يأتِ بعد البيهقي والدارقُطني مثلهما ولا من يقاربهُما، أما قولُ البيهقي ذلك ففي كتابِ مناقِب أحمد وأما قول الحافظ أبي سعيد العلائي في البيهقي والدارقطني فذلك في كتابه الوشي المُعلم، وأما الحافظ أبو سعيدٍ فهو الذي يقولُ فيه الحافظ ابن حجر شيخُ مشايخنا وكان من أهل القرن السابع الهجري.
وهناك خلقٌ كثيرٌ من العلماء ذكروا في تآليفهم أن أحمدَ أَوَّل منهم الحافظُ عبدُ الرحمن بنُ الجوزي الذي هو أحدُ أساطينِ المذهب الحنبلي لكثرةِ إطلاعهِ على نصوصِ المذهبِ وأحوال أحمد، وأما معنى قول أحمد وجاءت قدرتهُ أي تظهرُ الأهوالُ العظيمة يوم القيامة التي هي أثرٌ من ءاثارِ قدرةِ الله، وقد بينَ أبو نصرٍ القُشيري رحمهُ الله الشناعة التي تلزمُ نُفاة التأويلِ وأبو نصرٍ القشيري هو الذي وصفهُ الحافظُ عبدُ الرزاق الطبسي بإمامِ الأئمة كما نقل ذلك الحافظُ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري.
 
وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس ترجمان القرءان يؤول الساق على معنى الأمر الشديد، وهو من دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعلمه الله التأويل، حيث روى عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح فقال (وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى (يـَوْمَ يُكْشـَفُ عـَنْ سَاقِِ) قال عن شدة من الأمر) انتهى، وقال ابن حجر في نفس الصحيفة معلقا (وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بـسندين كل منهما حسن) انتهى، ونقل ذلك الإمام الحافظ البيهقي واللغوي المفسر أبو حيان في تفسيره وغيرهما كثير.
 
وقد نقل الطبري في تفسيره المشهور عن ابن عباس أنه أوّل قوله تعالى (وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَـهَا بِأَيْدِِ) قال أي بقوة، وكذلك روى الطبري نفس هذا التأويل عن مجاهد وقتادة وغيرهم من السلف.
 
وقـد استعمـل ابـن عبـاس التأويـل في قولـه تعـالى (فَالْيَوْمَ نَنسَـهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـذَا)، حيث أوّل النسيان الوارد في هذه الآية بالترك، إذ أن الله سبحانه وتعالى مُنـزه عن النسيان المعهود من البشر، لأن النسيان المعهود من البشر نقص، والنقص لا يليق بالله جل وعلا، فلذلك أوّل ابن عباس هذه الآية، وكذلك نقل الطبري عن مجاهد هذا التأويل.
 
فالنصيحةُ أن يرجع من كان انطلى عليهِ كلامُ المشبهةِ المجسمةِ نُفاةِ التوسلِ الذين زعموا أن السلف لم يأولوا بالمرة فما ذُكر يدحض ما زعموه ونقول لهم قال ابن عبد البر في التمهيد (18 – 345) ما نصّه (وأما قوله يضحك الله فمعناه يرحم عبده عند ذاك، ويتلقاها بالروح والراحة والرحمة والرأفة، وهذا مجاز مفهوم).