إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

ما حكم الصلاة خلف المبتدع بدعة اعتقادية؟
 
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، ففي في المدونة لإمام الأئمة مالك بن أنس (المتوفى 179 هـ) كتاب الصلاة الأول، فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ، قُلْتُ أَفَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ تُجْزِئُنَا الصَّلَاةُ خَلْفَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ وَالْجُمُعَةُ خَلْفَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ فَإِنْ كَانُوا قَوْمًا خَوَارِجَ غَلَبُوا أَكَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ وَالْجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ؟ قَالَ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.
وفي كتاب الصلاة الأول، الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَدَرِيِّ؟ قَالَ إنْ اسْتَيْقَنْتَ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ، قَالَ قُلْتُ وَلَا الْجُمُعَةَ؟ قَالَ وَلَا الْجُمُعَةَ إنْ اسْتَيْقَنْتَ……قَالَ مَالِكٌ فَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِثْلُ أَهْلِ الْقَدَرِ.
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُنْكَحُ أَهْلُ الْبِدَعِ وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا تُشْهَدُ جَنَائِزُهُمْ.
 
وجاء في التهذيب في اختصار المدوّنة لخلف بن أبي القاسم محمد الأزدي القيرواني، أبو سعيد ابن البراذعي المالكي (المتوفى 372 هـ) صحيفة 252 (قال مالك ولا يسلّم على أهل البدع ولا يناكحون ولا يصلى خلفهم جمعة ولا غيرها ولا تشهد جنائزهم).
 
ونقلَ الحافظُ اللغويُّ الفقيهُ الحنفيُّ محمدُ مرتضى الزبيديُّ في كتابه إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين عن سفيانَ الثوريِّ رضي الله عنه أنَّ الصلاةَ تصحُّ خلفَ المبتدعِ وقال المرادُ البدعةُ التي لا تُكَفِّرُ صاحبَها وإلا لم تصِح إمامَتُه.
قال ما نصه (القدوةُ بأهلِ الأهواءِ صحيحةٌ إلا الجهميةَ والقدريةَ والروافضَ الغاليةَ والخطابيةَ ومَنْ يقولُ بخلقِ القرءانِ والمشبهةَ ونحوَهم ممن تكفّرهُ بدعتُه). انتهى كلامه
ويعني بقوله ونحوَهم المرجئة فإنهم كفارٌ وهم الذين يقولون لا يضرُّ مع الإيمانِ معصيةٌ كما لا ينفعُ مع الكفرِ طاعة.
وقال الحافظُ المجتهدُ ابنُ المنذر في الأوسط (قيلَ للثوريِّ رجلٌ يكذّبُ بالقدرِ أُصلي وراءَه؟ قال لا تُقَدِّمُوه).
 
وقال النوويُّ في المجموع، باب صفةِ الأئمة، فصل إمامةَ الكافرَ في الصلاة (وَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلافِ أَنْوَاعِهِمْ، وَكَذَا الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ).
وقال في بابِ صفةِ الأئمة، فصل الصلاةِ خلفَ الفاسقِ (قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلاةُ وَرَاءَهُ، وَإِلا فَتَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى).
 
أما المرجئةُ والقدريةُ فقد ورد فيهما حديثٌ صريحٌ يحكمُ بكفرهم وذلك قولُه صلى الله عليه وسلم (صنفانِ من أمتي ليس لهما نصيبٌ في الإسلامِ المرجئةُ والقدرية) أخرجه الحافظُ المجتهدُ محمدُ بنُ جريرٍ الطبريُ في كتابِهِ تَهْذِيْبُ الآثارِ وصَحَّحَهُ.
 
وقد ذكر ابن المعلم القرشي في كتاب نجم المهتدي (ص 588) ما نَصُّه عن عَليّ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ (سَيَرجِعُ قَومٌ مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ عِندَ اقتِرَابِ السّاعَةِ كُفّارًا، قَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ المؤمنينَ كُفرُهُم بماذَا أَبِالإحْدَاثِ أَم بِالإنْكَارِ؟ فَقالَ بل بالإنكَارِ يُنْكِرُونَ خَالِقَهُم فيَصِفُونَه بالجِسمِ والأَعضَاء).
 
فالقَولُ الحَقُّ تَكفِيرُ المجَسّمَةِ فقَد ثَبَتَ عن الأئمّةِ الأربَعَةِ ذلكَ أبي حَنِيفَةَ ومَالِكٍ والشّافعِيّ وأحمَد والإمامِ أبي الحَسَن الأشعَريّ والإمام أبي مَنصُورٍ الماتُرِيديّ وأَشَدُّهُم في ذلكَ مَالِكٌ فقَد رَوى عنه الإمامُ المجتَهِدُ ابنُ المنذِر أنّهُ قالَ على أنْ يُستَتابَ أهلُ الأهواءِ فإنْ تَابُوا وإلا ضُرِبَت أعنَاقُهُم، أهلُ الأهواءِ هُمُ الذينَ ابتَدَعُوا في الاعتقادِ، المعتزلةُ والمشَبّهَةُ المجَسّمَةُ والجَبريّةُ إلى ءاخِر فِرَقِهم وقَالَ أَبُو حَامِدٍ أحدُ كبارِ أصحابِ المذهبِ الشافعي (الْمُعْتَزِلَةُ كُفَّارٌ، وقال إنَّ الإمامَ الشافعيَّ كَفَّرَ القدريةَ، كما حكاه صاحبُ البَيانِ العِمرَانِيّ اليَمنيّ).
 
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه المتوفى سنة 422 هجرية في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 ما نصه (ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشْيء ولا سألته الصحابة عنه ولأن ذلك إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام). انتهى