إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

اِعْلَمْ وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالى أَنَّ المَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَخْلُوْطٌ وَغَيْرُ مَخْلُوْطٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْمَخْلُوْطِ فَهُوَ طَهُوْرٌ، وَهُوَ المَاءُ المُطْلَقُ يَجُوْزُ مِنْهُ الوُضُوْءُ، سَوَاءٌ نَزَلَ مِن السَّمَاءِ، أَوْ نَبَعَ مِن الأَرْضِ وَأَمَّا الْمَخْلُوْطُ إِذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلاَثَةُ لَوْنِهِ، أَوْ طَعْمِهِ، أَوْ رِيْحِهِ بِشَيْءٍ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ تَارَةً يَخْتَلِطُ بِنَجِسٍ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ، فَالمَاءُ نَجِسٌ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ الوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ، فَإِنْ كَانَ المَاءُ قَلِيْلاً وَالنَّجَاسَةُ قَلِيْلَةً كُرِهَ الوُضُوْءُ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَارَةً يَخْتَلِطُ بِطَاهِرٍ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ كَالمَاءِ المَخْلُوْطِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالوَرْدِ وَالعَجِيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا المَاءُ طَاهِرٌ في نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ فَيُسْتَعْمَلُ في العَادَاتِ، مِن طَبْخٍ وَعَجْنٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلاَ يُسْتَعْمَلُ في العِبَادَاتِ، لاَ في وُضُوْءٍ وَلاَ في غَيْرِهِ، وَإنْ كَانَ ممَّا لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ ، كَالمَاءِ المُتَغَيِّرِ بِالسَّبَخَةِ أَو الحَمْأَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَو الجَارِيْ عَلَى مَعْدِنِ زِرْنِيْخٍ أَوْ كِبْرِيْتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَهَذَا كُلُّهُ طَهُوْرٌ يَصِحُّ مِنْهُ الوُضُوْءُ.
وَاللهُ أَعْلَم.
 
من كتاب متن العشماوية في فقه السادة المالكية لعبد البارىء بن أحمد أبي النجا العشماوي القاهري الأزهري المالكي.