إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (إنّ اللهَ يَستَحِي إذا رفَع إليهِ عَبدَه يَدَيْه (إليهِ أي إلى السّماء) أن يَرُدّهُما خَائبِتَين) رواه الحاكم.
هنا يَستَحِي معناهُ لا يَفعَلُ ليسَ مَعناهُ هذا الخَجَل الذي يَحصُل لابنِ ءادَم، اللهُ منَزّه عن الانفِعال، كذلكَ الاستِحيَاء إذا نُسِبَ إليه ليس معناهُ هذا الخَجَل الذي يَحصُل للبَشَر، يَستَحِي أحيانًا معناهُ لا يُخَيّب هذا العَبدَ، وفي بعض المواضِع معناهُ لا يَترُك الشّىءَ خَجَلا كما يَترُك العَبدُ الشّىءَ خَجَلا.
رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أي إلى جِهَةِ كَرَامَتِهِ وبَرَكاتِه وهي السماءُ.
 
قال الحافظ المحدث الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي المتوفى سنة 1380 هـ في كتابه المنح المطلوبة ما نصه (فإن قيل إذا كان الحق سبحانه ليس في جهة فما معنى رفع اليدين بالدعاء نحو السماء؟
فالجواب أنه محل التعبد، كاستقبال القبلة في الصلاة، وإلصاق الجبهة في الأرض في السجود، مع تنزهه سبحانه عن محل البيت ومحل السجود، فكأن السماء قبلة الدعاء).
 
وهذا دليل على أن الله موجود لا يحويه مكان ولا حد ورد على المشبهة الذين يزعمون أن الله يسكن السماء أو يجلس على العرش والعياذ بالله.
 
قال الله تعالى (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (سورة الإخلاص 4) أي لا نظير له بوجه من الوجوه، وهذه الآية قد فسَّرتها ءاية الشورى (ليس كمثله شىء).
 
والدّلِيْلُ العقْلِيُّ على ذلِك أنّهُ لو كان يُشْبِهُ شيْئًا مِنْ خلْقِه لجاز عليْهِ ما يجُوزُ على الخلْق مِن التّغيُّرِ والتّطوُّرِ، ولو جاز عليْهِ ذلِك لاحْتاج إلى منْ يُغيّرُهُ والمُحْتاجُ إلى غيْرِه لا يكُونُ إِلهًا، فثبت لهُ أنّهُ لا يُشْبِهُ شيئًا.
 
فلو كان الله فوق العرشِ بذاتِهِ كما يقولُ المشبِّهةُ لكان محاذيًا للعرشِ، ومِنْ ضرورةِ المُحاذِي أنْ يكون أكبر مِن المحاذى أو أصغر أو مثله، وأنّ هذا ومثله إنما يكونُ في الأجسامِ التي تقبلُ المِقدار والمساحة والحدّ، وهذا مُحالٌ على الله تعالى، وما أدّى إلى المُحالِ فهو محالٌ، وبطل قولُهُم إن الله متحيّزٌ فوق العرشِ بذاتهِ.