إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

وردَ في الحديثِ عن العرباضِ بنِ ساريةَ رضيَ اللهُ عنه قال وعَظَنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم موعظةً وجِلَتْ منها القلوبُ وذرَفتْ منها العيونُ، فقلنا يا رسولَ اللهِ كأنها موعظةُ مُودِّع فأوصِنا، قال (صلى اللهُ عليه وسلم) (أُوصيكُم بتقوى اللهِ عز وجلَّ والسمعِ والطاعةِ) ثم قال (فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكُم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ من بعدِي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ).
 
هذا الحديثُ الذي رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ فيهِ من جوامِعِ الكلِم التي أُوتِيها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بعباراتٍ سهلةٍ مفهِمَةٍ موجَزَةٍ، يُعطي صلى الله عليه وسلم المعنى الجزيلَ الغزيرَ المفهمَ الواسِعَ، وقد أُوحيَ إليهِ عليه الصلاة والسلام ببعضٍ من أمورٍ ستحصُلُ بعد وفاتِه عليه الصلاةُ والسلام.
 
ففي هذا الحديثِ لمَّا وعظَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً وكانوا كأنَّ على رؤوسِهم الطيرَ، وجِلت قلوبُهم، ذرفَت عيونُهم الدمعَ لأنهم عرفوا الموعظةَ ومعناها الذي يفيدُهم لدُنياهم وءاخرتِهم، فقالوا له أوصِنا، فالوصيةُ التي أوصاهم إياها رسولُ اللهِ التقوى، والتقوى ليست جبةً وعمامةً ولا لحيةً، فكم من كثيرٍ يتسترون بالدينِ، ظاهرُهُ مسكينٌ وباطنُه سكينٌ.
 
فالتَّقوى أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ، التقوى التزامُ طاعةِ اللهِ تعالى بأداءِ ما فرضَ اللهُ واجتنابِ ما حرّمَ اللهُ وخلافُ ذلك لا تكونُ التَّقوى، ثم النبيُّ عليه الصلاة والسلام بعد أن أوصى كلَّ فردٍ بالتقوى أوصاهُم كيف ينبغِي أن يكونَ حالُهم لبناءِ مجتمعٍ سليمٍ والسمعِ والطاعةِ، لأنّ التفرَّقَ والتشتُّتَ والتمزُّقَ هوانٌ وضعفٌ بحيثُ يصيرُ حالُنا أوهى من بيتِ العنكبوتِ، فإنَّ التطاوعَ مع من يحمِلُ إلينا وصيةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وإنَّ التزامَ طاعةِ ربِّنا كما أمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبلّغَ بهِ نجاتُنا وبه فوزُنا وبه يصطلحُ حالُنا ومجتمعُنا.
 
فالنبيُّ يحذر من التفرقِ والتشتُّتِ والتمزُّقِ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام (فإنَّهُ من يعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا) وهذا مِمَّا أوحِي بهِ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وإنهُ ستفترِقُ أمتُه إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلَّا واحدةً إلَّا التِي هِيَ علَى مَا عليهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ الذين أخذوا الدينَ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ونقلوهُ إلينا، فلما قالَ عليهِ الصلاةُ والسلام (فإنَّهُ من يعِشْ منكم فسيَرى اختلافًا كثيرًا) فما الدواءُ وكيف العلاجُ وبمَن نستَنْصِرُ وبم نتمسَّك وعلامَ نعُض؟
 
فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ (فعليكم بسُنَّتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجِذِ) ذلكَ لأنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أُوحِي إليهِ بأنه سيكونُ هناك اختلافٌ وتفرُّقٌ، والنَّاجونَ الفائزونَ جمهورُ المسلمينَ هم الذين على ما عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ.
 
نعم، ذلك لأنَّ كثيرينَ منَ النَّاسِ يتستَّرون بالدينِ، ذلك لأنَّ كثيرينَ من الناسِ يتستَّرونَ بالعملِ باسمِ الدعوة، ذلك لأنَّ كثيرينَ من الناسِ لا يعجبُهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى قالَ قائلُهم (وماذا ينفعُ وهو كالجيفةِ في قبرِه) صلى اللهُ عليه وسلم، هؤلاءِ قساةُ القلوب، هؤلاءِ الذين في قلوبِهم غِلظةٌ، هؤلاء الذين اليومَ لا يُوقِّرونَ مسلِمًا حتى في حفرةِ قبرِه، وبما أنهم لا يوقِّرونَ رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلم ويتمنُّون أن يقتلِعوهُ من قبرِه حتى لا يقصِدَ قبرَه المسلمون للتبرُّك، حتى لا يزورَ المسلمونَ مسجدَ رسولِ اللهِ للتبرُّكِ برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بقبرِهِ الشريفِ.
 
هؤلاء ليسوا على سنةِ رسولِ اللهِ وليسوا على سنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول (فعليكم بسنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ)، فإنَّ النجاةَ بِالتَّمَسُّكِ بِمَنْهَجِ الصَّحابَةِ الكِرَامِ، اللهُمَّ يا وَلِيَّ الإسلامِ وأهلِه ثَبِّتْنَا على الإيمانِ حتَّى الممَات يا رَبِّ العَالَمِينَ.