إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد قاضي الجماعة بقُرطُبَة المعروف بابن رُشْد الجَد المالكي (توفّي 520 هـ) ما نصه (ليس الله في مكان، فقد كان قبل أن يَخْلُق المكان) ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل المدخل، فصل في الاشتغال بالعلم يوم الجمعة 2 – 149.
وقال ابن رُشْد أيضًا (المدخل، نصائح المريد 3 – 181) (فلا يقال أين ولا كيف ولا متى لأنه خالق الزمان والمكان) وقال أيضًا ما نصه (المدخل، فصل في الاشتغال بالعلم يوم الجمعة 2 – 149) (وإضافته (أي العرش) إلى الله تعالى إنما هو بمعنى التشريف له كما يقال بيتُ الله وحرمه، لا أنه محلٌّ له وموضع لاستقراره) من كتاب المدخل لابن الحاج العبدري المالكي الجزء الثاني والثالث طبعة مكتبة دار التراث القاهرة مصر، وذكر ذلك أيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري موافقًا له ومقرًّا لكلامه، فتح الباري 7 – 124.
فقد قال اللهُ تعالى (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير)، اللهُ لا يسكن في السماء أو فوقها أو على العرش أو فوقه قريبا منه أو بعيدا عنه، والله خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته أي أننا ننفي المكان والجهة على الإطلاق عن الله لأن الجهة والمكان والحيز والحد من صفات المخلوقين فالله كان ولم يكن شىء غيره وفي الأزل لم تكن أمكنة وجهات فكما أنه صح وجود الله في الأزل بلا مكان ولا جهة كذلك يصح وجوده سبحانه الآن بلا مكان ولا جهة، التغيّرُ من صفات المخلوقات واللهُ تعالى لا يتغيّر واللهُ منزّه عن مشابهة المخلوقات.
وأول شيخ للأزهر وهو الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي المالكي (المتوفى سنة 1101 ھ)، في كتابه الفرائد السنية في شرح المقدمة السنوسية قال ما نصه (يستحيل عليه تعالى أن يكون في جهة للجرم لأن الجهات لا تصلح إلا للجرمية) وقال (يستحيل عليه تعالى أن يتقيد وجوده بما ذكر من الزمان والمكان لحدوث كل منهما ووجوب القدم له، فلا يتقيد بهما أو بأحدهما إلا من هو حادث مثلهما) وقال أيضا (الفرقة الناجية المستثناة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي) هم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة، و عن سبب تكفير اليهود يقول مانصه (ويدخل في المجسمة اليهود لأنهم يعتقدون الجسمية فكفروا بعدم التوحيد ﻷن المُجسم غير مُوحد).