إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
عن سلمة بن الأكوع قال ما سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا دعاء إلاّ استفتحه ب (سبحان ربّيَ العليّ الأعلى الوهاب) رواه أحمد والطبراني وفيه عمر بن راشد اليمامي وثّقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.
10 – 156 من مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين الهيثمي رحمه الله تعالى.
العلو المذكور لا يفسر بعلو المكان ولكن بعلو المكانة والقهر والغلبة فنحن نقول في سجودنا سبحان ربي الأعلى معناه سبحان ربي الذي هو أعلى من كل شيء قدرا ومكانة، سبحانه وتعالى، وليس المعنى أن الله تبارك وتعالى عالي بالمكان والحيز والجهة، وإليكم ما يقول الإمام القرطبي في تفسيره المسمى تفسير القرطبي، هذا القرطبي توفي (سنة 671 هـ) في هذا الكتاب الجزء الثامن عشر من طبعة دار الكتب العليمة الطبعة الثانية (سنة 1424 هـ) في الصحيفة 141 يقول (ووصفه تعالى بالعلو والعظمة، لا بالأماكن والجهات والحدود، لأنها صفات الأجسام، وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء، لأن السماء مهبط الوحي، ومنزل القطر، ومحل القدس، ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته، كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان، وهو الآن على ما عليه كان). انتهى كلام الإمام القرطبي
وقال الإمامُ المُفَسِّرُ فخر الدين الرازِيُّ (ت 604هـ) في تفسيره ما نَصُّه: قوله تعالى ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾] [الأَنْعام 61] (اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ ءاخَرُ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ هَذِهِ الْآيَةِ الْفَوْقِيَّةَ بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْفَوْقِيَّةَ بِالْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ، كَمَا يُقَالُ أَمْرُ فُلَانٍ فَوْقَ أَمْرِ فُلَانٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْلَى وَأَنْفَذُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الْفَتْحِ 10] وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هَذَا الْقَهْرَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالْفَوْقِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِصِفَةِ الْقَهْرِ هِيَ الْفَوْقِيَّةُ بِالْقُدْرَةِ لَا الْفَوْقِيَّةُ بِالْجِهَةِ، إِذِ الْمَعْلُومُ أَنَّ الْمُرْتَفِعَ فِي الْمَكَانِ قَدْ يَكُونُ مَقْهُورًا). انتهى
وقال ابن عَطِيَّة الأندلسيّ (ت 542هـ) في تفسيره عن معنى ءاية ﴿يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ [النَّحْل 50] ما نَصُّه (وقوله ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيين أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان.
والآخر أنْ يَتَعَلَّق قوله ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ بقوله ﴿يَخافُونَ﴾، أي يَخافون عذابَ رَبِّهِم مِن فَوْقِهم وذلك أنَّ عادةَ عَذابِ الأُمَمِ إِنّما أَتَى مِن جِهَة فَوْقٍ). انتهى
وقال ابن عادل الحنبلي (ت 775هـ) في تفسيره ما نَصُّه (استَدَلَّ المشبهة بقوله تعالى ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ﴾ على أنه تعالى فوقهم بالذات والجواب أن معناه يخافون ربَّهم مِن أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيهم العَذابَ مِن فَوْقِهم، وإذا احتَمَل اللَفْظُ هذا المعنى سَقَطَ اسْتِدْلالُهم، وأيضًا يجب حمل هذه الفوقية على الفوقية بالقدرة، والقهر والغلبة؛ لقوله تعالى ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف 127]). انتهى
قالَ أهلُ الحقّ:
ليس الشأنُ في عُلوّ الجهةِ بل الشأنُ في علوّ القدرِ، والفوقية في لغةِ العربِ تأتي على معنيينِ فوقية المكانِ والجهةِ وفوقية القدرِ قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون (وإنا فوقهم قاهرون) أي نحنُ فوقَهُم بالقوةِ والسيطرةِ لأنه لا يصحُّ أن يقالَ إن فرعونَ أرادَ بهذا أنه فوقَ رقابِ بني إسرائيلَ إلى جهةِ العلوّ إنما أرادَ أنهُم مقهورونَ لَهُ مغلوبونَ.
فقول الله تعالى اخباراً عن فرعون الكافر (أنا ربكم الأعلى) معناه علو القدر، وكذا قوله (وإنا فوقهم قاهرون) أي فوقية القوة والسيطرة وليس فوقية المكان، فلهذا نص العلماء أن الفوقية والعلو أذا أطلق على الله فالمراد منه علو قدر وفوقية قهر سبحانه وتعالى وليس علو مكان وجهة لأن الله كان قبل الخلق والمكان والجهات بلا مكان كما أجمع كل علماء أهل السنة على ذلك ونص على ذلك ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري.