إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال الله تعالى (فلا تضربوا لله الأمثال)، هذه الآية معناها أنه لايجوز أن يوصف الله تعالى بصفات الخلق فمن وصفه بالجلوس أو القعود أو الاستقرار أو الكون في مكان فقد ضرب له الأمثال ومن ضرب لله الأمثال لا يكون عارفا بربه ولا تصح عبادته له، وقال الإمام أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة (مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك) رواه عن الامام أحمد الامام أبو الفضل التميمي.
العرشُ الكريم له كَميَّة (أعظَمُ كَميَّة في المخلوقات) يَحتَاجُ إلى مَنْ أَوْجَدَهُ على ذلِكَ الحَدِّ الذي هو علَيهِ ولا يَصِحُّ في العَقْلِ أنْ يكون هو خَلَقَ نفسَهُ، وكذَلك ما بَينَ الذَّرة والعَرش يحتاج إلى مَنْ أوجَدَهُ على الكَميَّةِ التي هو عليها، فمُوجِدُ هذهِ العَوالِم يجبُ عَقْلاً أنْ يكون ليسَ شيئًا لهُ كَمِيَّة، لأنهُ لو كانَ له كَميَّة لاحْتاجَ إلى مَنْ جَعلَهُ على هذهِ الكَميَّة وهذا لا يَرْتابُ فيه ذو عَقْلٍ صحيح، أمّا هؤلاءِ المُجسّمة الوَهَّابِيَّة وأشباهُهُم الذينَ يعتَقدون أنَّ اللهَ جِرْمٌ له كَميَّة بِقَدْرِ العرش وأصغر وبِقَدْرِ العَرشِ لا أصغَر ولا أكبر هؤلاءِ ما عَرَفوا اللهَ تعالى، اللهُ تبارَكَ وتعالى لو كانَ له كَميَّة لاحْتاجَ إلى مَنْ جعلَهُ وأَوْجَدَهُ على تِلكَ الكَميَّة كما أنَّ العَرشَ مُحتَاجٌ لِمَنْ جعلَهُ على الكَميَّةِ والحَدِّ الذي هو علَيهِ، فوَجَبَ عقلاً أنَّ العرش وما دونَهُ لِكُلِّ شَىءٍ له كَميَّة حادِثًا مَخلوقًا مُحتَاجًا إلى مَنْ أوجَدَهُ على تِلكَ الكَميَّة، وهذا شَىءٌ يُفهَم مِنْ قولِ اللهِ تعالى ﴿وَكُلُّ شَىءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار﴾ ومعناها أنَّ كلَّ شىءٍ خلقَهُ الله على حجمٍ، لأن الْمِقْدارَ معناه الحجمُ والحجمُ إما صغيرٌ أو كبيرٌ وإما بين الصغيرِ والكبيرِ وهذا دليلٌ على أنَّ اللهَ تعالى ليس حجماً بالمرّة ومَنْ قال بِخِلافِ ذلكَ يكونُ مُكَذِّباً للقُرءان ومَنْ كذَّبَ القرءانَ كَفَرْ، لأنه لو كانَ له حَدٌّ وكَميَّة لكان له أمثَالٌ لا تُحْصَى لكَانَ الإنسانُ مِثْلاً له والشَّمسُ لكانَت مِثْلاً له والعَرشُ لكانَ مِثْلاً له، فَلِذَلكَ عَمَلاً بهذِهِ الآيةِ الشَّريفة ووقوفًا عندَ الدَّليلِ العقليّ وَجَبَ تنزيهُ الله عن الحَدِّ والكَميَّة وهذا شَىءٌ ثَبَتَ في عِباراتِ السَّلفِ الصَّالِح، سيّدُنا عليٌّ رضيَ الله عنه قالَ (مَنْ زَعَمَ أنَّ إلـٰهَنا مَحدود فقَد جَهِلَ الخالِقَ المَعبود)، معنى المحدود الشَّىءُ الذي له كَميَّة ليسَ معناهُ الشَّىءُ الذي حجمُهُ صغير، بعضُ الناس يفهمونَ إذا قيلَ هذا الشَّىءُ محدود أنَّ له مِساحة معروفة، حَدٌّ معروف، وليسَ هذا معنى المَحدود عندَ حَمَلَةِ الشَّرع عُلمَاءِ أهلِ السُّنة إنما المَحدود عندَهُم أيُّ شىء له كَميَّة، الذَّرة تُسمَّى مَحدودًا والعرشُ الكريم يُسمَّى مَحدودًا لأنَّ هذهِ لها كَميَّة وهذا له كَميَّة كما أنَّ البشر وهذهِ الأرضُ التي تحمِلُنا كُلٌّ له كَميَّة هذا معنى المحدود، ليسَ معنى المحدود الشَّىءُ الذي له حَجمٌ صغير يُعرَف كَم مِساحَتُهُ إنما معنى المحدود الشَّىءُ الذي له كَميَّة صغيرة أو كبيرة، فالله هو الموجود أزلا وأبدا بلا مكان ولا جهة ولا يوصف بأوصاف المخلوقين كالحركة والسكون والشكل والهيئة والصورة.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن وهب قال كنّا عند مالك بن أنس، فدخل رجلٌ فقال يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استواؤه؟
فأطرق مالك وأخذته الرُّحضاءَ، ثمّ رفعَ رأسَهُ فقال (الرحمن على العرش استوى) كما وصفَ نفسَه، ولا يُقالُ له كيف وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه، قال فأُخرجَ الرّجل.
3 – 474 من الدّرّ المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي رحمه الله تعالى ورواه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري، وقال إسناده جيّد.
الرُّحَضاء هو عرَقٌ يغسِلُ الجلدَ لكثرته كذا في النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.
والكيف كل ما كان من صفات الخلق كالجلوس والاستقرار والكون فى جهة أومكان والتغيّر من حال إلى حال فكلّ هذا لا يجوز على الله تعالى.