إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
وردَ أنه يؤتى بعنقٍ من جهنم عند الموقِفِ حتى يراهُ الناسُ قبلَ العبورِ على الصراطِ هذا للتخويفِ، قبلَ دخولِ الكفارِ النار الله يبرِزُ قطعةً من جهنم يؤتى بها إلى عرصاتِ القيامة الكفارُ يرونَهُ فيفزعونَ و يقولُ لهم الـملائكة ﴿هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ﴾ أي تكذبونَ ثـم هذا العُنُقُ يعودُ إلى أصلِهِ.
يومَ القيامةِ ينزِلُ ملائكةٌ كثير يحيطونَ بالجنِّ والإنسِ هم يكونونَ ضمنَ سبعةِ صفوفٍ قال الله تعالى ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ (33)﴾ سورة الرحمن، أي إلا بحجَّةٍ منَ الله، قال ابنُ عباسٍ (كلُّ سلطانٍ في القرآنِ حجَّة) يوجدُ ملكٌ اسـمهُ روح من عظمِ خلقته يكونُ صفٍّ وحدهُ، في وقتٍ منَ الأوقاتِ الكافرُ ينكرُ أنه يعبُدُ غيرَ الله فيختِمُ اللهُ على فمهِ وتنطِقُ أعضائُهُ تشهدُ عليه بما كانَ يعمَلُ من الكفرِ هذا من العجائبِ التي يظهرُها الله يومَ القيامةِ.
كذلك الأرضُ التي كان عملَ عليها الإنسانُ شرا أو خيرا الله ينطِقُ هذه الأرضَ تشهدُ عليه بما فعلَ من السيئاتِ وتشهدُ للمؤمنِ بـما فعلَ منَ الخيراتِ قال الله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَـمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِـمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِـمَ شَهِدتُّـمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)﴾ سورة فصلت.
الذهب الذي كان الشخصُ لا يزكيهِ يكونُ جمرًا، يعيدُهُ اللهُ فيُحمى في نارِ جهنم ثم يكوى به جنب ووجهُ وظهرُ الذي كان لا يزكيهِ ويعيدُ البقر الذي كان لا يزكيه الشخصُ فتنطحُهُ بقرونِها وكذلكَ الإبلُ تدوسُ بخفافها الذي كانَ لا يزكيها وكذلكَ تظهرُ عجائبُ أخرى هذه العجائبُ الله تعالى قال عنها ﴿وجاءَ ربكَ والـملك صفا صفا﴾ وجاءَ ربكَ معناه تلك العجائبُ التي تظهرُ يومَ القيامةِ ثم الملائكةُ يجرونَ جزءً من جهنمَ كبيرًا سبعونَ ألفا منهم يجرونهُ بسبعينَ ألفَ زمامٍ إلى حيث ُيراهُ الكفار قبل أن يدخلوا جهنم ولو كان يوجدُ موتٌ هناكَ لماتَ الكفارُ من ذلكَ لكن هناكَ في الآخرةِ لا يوجدُ موتٌ، في الدنيا من اشتدَّ عليهِ الألمُ قد يموتُ غايتُهُ الموتُ أما في الآخرةِ لا يـموتُ.
أهلُ السنةِ يقولون (وجاء ربكَ والملكُ) (1) أي ظهرَت عجائِبُ قدرةِ اللهِ لا يقولونَ جاءَ الله جاءَ اللهُ من فوقٍ إلى تحتٍ، لا، هذا كفرٌ الوهابيةُ يقولونَ الله يأتي من فوقٍ إلى تحتٍ إلى الأرضِ المبدلةِ، اللهُ تعالى يحاسبُ الخلقَ بكلامِهِ الذي هو ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً إنما يحاسبُهم بكلامِهِ فيفهمونَ منهم أعطيتُكَ كذا وكذا أنتَ فعلتَ كذا وكذا أنا أنعمتُ عليك بكذا مستحيلٌ أن يكونَ بين اللهِ وبين شيءٍ من خلقِهِ مقابلة لأنَّ المقابلة إنـما تكونُ بين الـمخلوقاتِ.
(1) قال ابن حمدان الحنبلي (ت 695 هـ) في كتابه نهاية المبتدئين في أصول الدين (وأن الله تعالى ليس بجوهر ولا عرَض ولا جسم ولا تـحله الحوادث ولا يـحل في حادث ولا ينحصر فيه) إلى أن قال (هو الغني عن كل شىء، ولا يستغني عنه شىء، وأنه لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء، ومن شبَّهه بخلقه فقد كفر، نص عليه أحمد، وكذا من جَسَّم، أو قال إنه جسمٌ لا كالأجسام، ذكره القاضي). اهـ ثم قال (ومن قال إنه بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر). اهـ
وقال (وقال التميمي في اعتقاد أحمد في حديث النـزول ولا يجوز عليه الانتقال، ولا الحلول في الأمكنة، قال فيه ابن البناء في اعتقاد أحمد ولا يقال بحركة ولا انتقال). اهـ
وقال (واختار ابن الجوزي نفي الجهة، وحكاه عن أحمد من رواية حنبل، وإليه ميل ابن عقيل). اهـ
وقال (وقد تأول أحمد آيات وأحاديث كآية النجوى وقوله (أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ) وقال قدرته وأمره، وقوله (وَجَاء رَبُّكَ) قال قدرته. ذكرهما ابن الجوزي في المنهاج واختار هو إمرار الآيات كما جاءت من غير تفسير وتأوَّل ابن عقيل كثيرًا من الآي والأخبار وتأوَّل أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) ونحوه). اهـ
وقال مرعي الكَرْمي المقدسي الحنبلي (ت 1033 هـ) في أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات قال المازري وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث (حديث فإن الله خلق ءادم على صورته) فأجراه على ظاهره وقال (الله صورة لا كالصور) قال وهذا كقول المجسمة (جسم لا كالأجسام) لما رأوا أهل السنة يقولون (الله تعالى شىء لا كالأشياء) والفرق أن لفظة شىء لا تفيد الحدوث ولا تتضمن ما يقتضيه، وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث). اهـ