إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الله عز وجل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (سورة المائدة 18)، واعلم أن في هذه الآية تحذيرا من قول الكفار نحن أبناء الله ومن قول كل من نسب لله سبحانه الولد ولو كان مازحا أو غاضبا أو عن غير اعتقاد أو زعم للكلمة معنى آخر أو قال أردت معنى مجازيا فإن هذا الكلام كفر لا تأويل له يكفر من قاله ويكفر من شك في كفر قائله أيضا، ولا اعتبار لقول بعض هؤلاء نحن لا نقصد البنوة بمعنى الولادة إنما نقصد العناية والعطف والرحمه.
 
قال الفقيه المفسر أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي المالكي (ت 542 هـ) في كتابه المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز عند شرحه للآية (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ) (سورة المائدة 18) أن إطلاق نسبة البنوة إلى الله ولو قصد به الحنان كفر قال والبنوة في قولهم هذا بنوة الحنان والرأفة.
وقال المفسر الفقيه شمس الدين القرطبي المالكي في الجامع لأحكام القرآن ما نصه (قال ابن عطية ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنوة ورحمة وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر) انتهى.
وقد نقل القرافي المالكي في كتابه الفروق وبهامشه أدرار الشروق على أنواء الفروق ناقلا عن القاضي عياض المالكي الإجماع على تكفير من نسب الأبوة أو البنوة إلى الله تعالى.
فإذا علم هذا فليحذر مما في كتاب ابن تيميه المسمى بيان تلبيس الجهميه حيث زعم فيه أن المسيح قال لا تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله وأنه قال للحواريين بزعم ابن تيميه إن أنتم غفرتم للناس فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم كلكم الخ، وزعم ابن تيمية أن هذا في الإنجيل وقد علق عليه المجسم محمد بن عبد الرحمن الخميس فقال أي في الإنجيل الصحيح والعياذ بالله تعالى فإنه بقوله هذا نسب الكذب الى الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقول (لم يلد ولم يولد) سورة الإخلاص الآية 3.
وما زعمه ابن تيميه وغيره من الوهابيه أنه في الإنجيل الصحيح معارض لهذه الآية في القرآن الكريم والإنجيل الصحيح كلام الله فيه دعوة إلى توحيد الله العظيم، فما معنى هذا يامشبهة!! فبئس التابع وبئس المتبوع.
ثم إن نسبة الولد للرب سبحانه شتم لله تعالى فقد روى البخاري في صحيحه وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال (كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد).
 
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه (قوله وأما شتمه إياي إنما سماه شتما لما فيه من التنقيص) فإذا علم هذا فليرجع إلى الحق من ارتد فزعم أنه يجوز نسبة البنوة الى الله بالمعنى المجازي كما قال ذلك أحمد ديدات في مناظرته المسماة هل المسيح ابن الله في اسكندنافيا في تسجيل له بالصوت والصورة من إنتاج المغامسي للإنتاج والتوزيع في المدينة المنورة وتبعه في هذه الضلالة غيره من أشباه المشايخ، نسأل الله عز وجل السلامة من الفتن.
 
فقد أخرج البيهقي عن ابن عباسٍ أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (يا محمد صف لنا ربك الذي ‏تعبده) وكان سؤالهم تعنتاً لا حباً للعلم واسترشاداً به، فنزل قوله تعالى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ ‏أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَد) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (هذه صفة ربي عز وجل).
ومعنى (الأحد) أي الذي لا يقبل الإنقسام والتعدد والكثرة وليس له شريك في الذات أو الصفات أو الأفعال ‏فليس لأحد صفة كصفاته ولا فعل كفعله وذاته لا يشبه الذوات المخلوقة.
ومعنى (الله الصمد) أي الذي تفتقر إليه ‏جميع المخلوقات مع استغنائه عن كل موجود والذي يقصد عند الشدة بجميع أنواعها ولا يجتلب بخلقه نفعاً لنفسه ولا يدفع بهم عن نفسه ضراً.
ومعنى (لم يلد ولم يولد) نفي للمادية والإنحلال وهو أن ينحل منه شىء أو أن يحل هو ‏في شىء، وأما ما ورد في كتاب مولد العروس من أن الله تعالى قبض قبضة من نور وجهه فقال لها كوني محمداً ‏فكانت محمداً، فهذه من الأباطيل المدسوسة وحكم من يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم جزءٌ من الله تعالى ‏التكفير قطعاً وليس هذا الكتاب لإبن الجوزي رحمه الله بل هو مكذوب عليه نسبه إليه المستشرق بروكلمان.
ومعنى ‏قوله تعالى (ولم يكن له كفواً أحد) أي لا شبيه لله بوجهٍ من الوجوه.
وقد قال الإمام المحدث الورع أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة الأندلسي (ت 699 هـ) في كتابه بهجة النفوس (وقد قال الإمام مالك رحمه الله كل ما يقع في القلب فالله بخلاف ذلك، لأن كل ما يقع في القلب على ما تقدم إنما هو خلق من خلق الله، فكيف يُشبِه الخالق المخلوق).
 
تنبيه:
الشّخصُ الذي وقعَ في الكُفرِ كأنْ شَتَمَ اللهَ أو أحدَ الأنبياءِ أو الإسلامَ أو القرءانَ أو شكّ في وجودِ اللهِ أو اعتقدَ أنّ اللهَ جِسمٌ أو ضوءٌ أو روحٌ أو أنّه يسكُنُ الأماكن، إنّما يكون رجُوعُه إلى الإسلامِ بالإِقلاعِ عَمّا وَقَعَ بهِ من الكفر وبالنُّطْقِ بالشَّهادتَيْن، فالنُّطقُ بالشَّهادَتَينِ هوَ مُفتاحُ الدُّخول بالإسلامِ.
 
والله تعالى أعلم وأحكم