إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وءاله وصحبه وبعد، فإن صاحب العقيدة المرشدة هو ابْنُ تُوْمَرتَ وهو أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَسَنِي، مَاتَ فِي ءاخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَنسب العقيدةَ المرشدة إلى ابن تومرت الذهبيُّ في سير أعلام النبلاء ج 19-540 – 541، وعمر كحالة في معجم المؤلفين ج 1 0- 206، وابن كثير في تاريخه ج 12 – 231، والبرزلي في نوازله ج 6 – 366، وغيرهم، وقد انتشرت العقيدة المرشدة في بلاد المغرب واشتهر أمرها وتلقاها العلماء بالشرح والتعليق، وكان انتشارها وشيوعها أولاً في المغرب الأقصى ثم في المغرب الأوسط ثم في إفريقية فقد كانت العقيدة المرشدة معروفة بتونس متناولة فيها بالحفظ والدراسة وقد قام بشرحها الفقيه المالكي أبو عبد الله محمد بن خليل السكوني الأشعري ومما يدل على عناية أهل تونس بالعقيدة المرشدة أن أبا القاسم البُرْزُلي أحد أئمة المالكية في المغرب (ت 844 هـ) ذكرها في نوازله وأورد نصها كاملاً، ثم شاعت في المشرق وبقيت أكثر من أربعة قرون يرددها المؤذنون في وقت التسبيح، وقد اهتم بتدريسها الإمام فخر الدين بن عساكر المتوفى سنة 620 هـ، ففي طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ج 5 ص 69 – 70 أن الشيخ فخر الدين ابن عساكر (رحمه الله) كان يقرىء بالقدس العقيدة المرشدة.
وقد ورد في كتاب أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء دولة الموحدية لأبي بكر الصنهاجي المكنى بالبيدق أن ابن تومرت قال (واشتغلوا بالتوحيد فإنه أساس دينكم، حتى تنفوا عن الخالق التشبيه والتشريك والنقائص والآفاق والحدود والجهات، ولا تجعلوه في مكان ولا في جهة، فإنه تعالى موجود قبل الأمكنة والجهات، فمن جعله في جهة ومكان فقد جسمه ومن جسمه فقد جعله مخلوقا ومن جعله مخلوقا فهو كعابد وثن،…..فمن مات على هذا فهو مخلد في النار). انتهى
ونصُّ العقيدة المرشدة:
إعلم أرشدَنا الله وإيــّــــــاكَ أنه يجبُ على كــــــــلّ مكلَّف أن يعلمَ أن الله عزَّ وجــــــلَّ واحـــدٌ فـي مُلكِـــه، خلقَ العـــــالمَ بــأسرِهِ العلـويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ، والسَّمواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهمـا، جميــــــعُ الخلائـقِ مقهورونَ بقدرَتِــــــهِ، لا تتحركُ ذرةٌ إلا بـإذنِـــــهِ، ليسَ معهُ مُدبّـــــرٌ فـي الخَلقِ ولا شريـــــــكٌ فـي المُلكِ، حيٌّ قيومٌ لا تــــــــــأخذُهُ سِنةٌ ولا نـــومٌ، عـالـمُ الغيب والشهادةِ، لا يَــخفى عليـهِ شيءٌ فـي الأرضِ ولا فـي السماءِ، يــــعلــمُ مـــــا فـي البـرّ، والبحرِ وما تسقطُ من ورقــــــــةٍ إلا يعلمُهَــا، ولا حبـــــةٍ فـي ظلمـاتِ الأرضِ ولا رَطبٍ ولا يـــابسٍ إلا فـي كتـــــابٍ مبين. أحــــــــــــاط بكــــلّ شىءٍ علمًا وأحصى كـــــــــــلَّ شىءٍ عددًا، فعـالٌ لما يريدُ، قادرٌ على ما يشاءُ، لـه الملكُ ولــــــه الغِنَى، ولــــــه العزُّ والبقاءُ، ولـــهُ الحكمُ والقضاءُ، ولـهُ الأسماءُ الحسنى، لا دافعَ لمـا قضى، ولا مـــــــانعَ لمــا أعطى، يفعلُ فـي مِلكِهِ مـا يريدُ ، ويحكمُ فـي خلقِـــــه بما يشاءُ، لا يـرجو ثوابًـا ولا يـخـــــافُ عقابــًــا، ليس علــيــــه حقٌّ (يلزمُهُ) ولا عليـه حكمٌ، وكلُّ نِعمةٍ منـهُ فضلٌ وكـلُّ نِقمةٍ منه عدلٌ، لا يُسئلُ عـما يفعلُ وهم يُسألــونَ، موجـــودٌ قبـــل الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فــــــــوقٌ ولا تحــتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمـالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كـلٌّ، ولا بعضٌ، ولا يقالُ متى كـانَ ولا أينَ كـانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكـــــوانَ ودبَّـرالزمـــــانَ، لا يتقيَّدُ بالزمــــــانِ ولا يتخصَّصُ بالمكــــان، ولا يشغلُهُ شـــــأنٌ عن شــــــأن، ولا يــلحقُهُ وهمٌ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بـــــالذهنِ، ولا يــتمثلُ فـي النفسِ، ولا يتصورُ فـي الوهمِ، ولا يتكيَّـــفُ فـي العقلِ، لا تـــَلحقُهُ الأوهـــامُ والأفكـــــــــــارُ، (لَيْسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله عليه (المتوفى سنة 1429 هـ) الحمد لله، جــمــهـــور الأمــــــة المحمديـــــة مئــــــــــاتُ الملايين، عـلمـــــــــاؤهــــــــم فـي الشــــرق والـغرب يعـتقدون ويـُـــدرّسون أن الله تبارك وتعالى موجودٌ مُنَزَّهٌ عن الحـــــــدّ والـمـكـــــان.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.