إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الرَّسول عليهِ الصّلاة والسَّلامُ أوصى بلزومِ عقيدةِ أهلِ السُّنةِ
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
لَما كانَ اللهُ تعالى أمرعبادَه المؤمنينَ بالتعاونِ على البرّ والتقوى ونهى عن التَّعاوُنِ على الإثمِ والعدوانِ، عُلِمَ منْ ذلِكَ أنَّ التَّعاونَ على حفظِ العقيدةِ عقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ الأشاعرةِ والماتريديةِ أفضلُ الأعمالِ، لأنَّ العقيدةَ هي أساسُ الدّينِ، فينبغي أنْ نَتعاونَ على ذلِكَ للحذَرِ من العقائدِ المختلفةِ والتَّحذيرِ من دعاتِها لأنَّ الرَّسولَ عليهِ الصّلاة والسَّلامُ أوصى بلزومِ عقيدةِ أهلِ السُّنةِ التي هي عقيدةُ جمهورِ أمَّتِهِ.
مئاتُ الملايينِ من أهلِ لا إلهَ إلا اللهُ أشاعرةٌ ماتريديةٌ، اليومَ وقبلَ اليومِ، فوجبَ علينا الاهتمامُ بنشرِها بينَ الصّغارِ والكبارِ وتعليمِها والحذرُ والتَّحذيرُ ممَّنْ يخالفُ ذلِك وهذا أفضلُ ما يجبُ التَّعاونُ عليهِ، فلنَشُدَّ عزائمَنا على ذلِك وليبذلْ كلٌّ منَّا جَهدَهُ في إحياءِ هذهِ العقيدةِ، وقد قال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه المتوفى سنة 422 هجرية في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 ما نصه ((واعلم أن الوصف له تعالى بالاستواء اتباع للنص، وتصديق لما وصف به نفسه تعالى به، ولا يجوز أن يثبت له كيفية، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن، وذلك يؤول إلى التجسيم، وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام) قال القاضى عياض ما رأينا أحفظ من عبد الوهاب البغدادى فى زمنه.
وقال الحافظ اللغويّ مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين (الفصل الثاني إذا اطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية) وقال الفقيه الحنفي ابن عابدين في حاشيته (أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية).
ومن هؤلاء أمير المسلمين وكما لقب أمير دولة المرابطين القائد البطل الفطن المحارب الزاهد المقدام الذي وحد المسلمين وأخمد الفتن وبنى إمبراطورية المغرب الإسلامي الأندلسي قاهر الصليبيين عندما خان الصليب المسلمين وهجموا عليهم أذلهم القائد يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة التي لم ينساها الصليبيين الجبناء حتى هذه اللحظة، وقد عُرفَ كذلك بأمير المُلَثَّمين.
قالَ ابنُ خلكان في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (كان أميرُ المسلمين يوسف بن تاشفين حازمًا، سائسًا للأمور، ضابطًا لمصالح مملكته، مُؤْثِرًا لأهلِ العلمِ والدينِ، كثيرَ المشورةِ لهم، ومن أشهرِ العلماءِ المقرَّبين من السلطان يوسف بن تاشفين أبو بكر بن العربيّ المالكيّ الأشعريّ رحمه الله تعالى الذي نصّ في شرحه على سنن الترمذي على أنَّ الله موجود بلا مكان، فقال (نسبةُ البارِئ من الجهاتِ إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته) أي أنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عن الجهةِ فلا يسكنُ فوقَ العرشِ كما تقولُ المجسمة، ولا هو بجهةِ أسفل، لأنَّ اللهَ تعالى كانَ قبلَ الجهاتِ السِّت، ومَنْ استحالَ عليهِ الجهةُ استحالَ عليهِ المكانُ، فاللهُ تعالى لا يحُلُّ في شىءٍ ولا يشبهُ شيئًا، سبحانه وتعالى عما يقول الظّالمون علوًّا كبيرًا.
ومن هؤلاء اسم أدخل الرعب في قلوب ملوك أوروبا الصليبية حتي أتته نساء ملوكهم وأبناءهم يطلبن العفو والأمان، هو السلطان الكبير أبو يوسف يعقوب المنصور بن أبي يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي (ت 595 هـ) من أعظم وأبرز ملوك المغرب قاطبة وكان يعيد بشغفه بالجهاد وكثرة تعداد أفراد جيوشه وأهبته الحربية ذكرى أسلافه العظام من أمثال يوسف بن تاشفين وجده عبد المؤمن وأبوه يوسف المنصور وخلفه على عرش المغرب ولده الأمير أبو يعقوب وكان مثل أبيه معنياً بشئون الأندلس خبيراً بها، وكان السلطان يعقوب أحد أبرز سلاطين دولة الموحدين التي تأسست على يد ابن تومرت الأشعري صاحب كتاب العقيدة المرشدة (1) التي اشتهرت باسم عقيدة ابن عساكر، وجاء في هذه العقيدة قوله في حق الله تعالى (موجود قبل الخَلق ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌ ولا بعضٌ، ولا يقال متى كان ولا أين كان ولا كيف كان، كان ولا مكان كوّن المكان ودبّر الزمان، لا يتقيّد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان) وقد رفع السلطان يعقوب راية الجهاد، ومن أشهر معاركه معركة الأرك التي جرت بينه وبين الفرنجة بقيادة ملكهم الأذفونش وتؤكد المصادر التاريخية انتصار السلطان يعقوب انتصارا باهرا.
ومن هؤلاء السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي توفي في (سنة 589 هــ) وكان من الذين حملوا لواء الدين بصدق وهمة وكان رجلاً مجاهدًا تقيًا صالحًا علم الناس التوحيد مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعاملاً بقوله كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فأحسن التوجيه والتعليم متوكلاً على ربه عز وجل فأعزه الله ونصره، فلقد لقد كان السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرًا، عالمًا من علماء أهل السنة يحفظ كتاب التنبيه وكتاب الحماسة في الفقه الشافعي وكان حافظًا للقرءان الكريم وكان زاهدًا يقوم الليل يصلي لله عز وجل ولم يكن منشغلاً بالشهوات والأموال وكان قد بنى المدارس لتعليم الناس علم التوحيد لتعليمهم تنزيه الله تعالى عن مشابهة الخلق في ذاته وصفاته وأفعاله فإن ذلك هو أهم أمور الدين ولا يستهين بذلك إلا ذو قلب معكوس وفهم منحوس، ولقد كان في أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي عالم جليل يقال له محمد بن هبة المكي ألف عقيدة باسم صلاح الدين فأهداها إليه وفيها هذا الكلام الذي نحن نقرره أن الله تعالى سمعه ليس بجارحة وبصره ليس بجارحة وأن كلامه الذاتي ليس بحرف وصوتٍ، بل في هذا الكتاب تحذير من هؤلاء الذين يشبّهون الله بخلقه فيصفون كلامه بالحرف والصوت كما نحن نتكلم، وكان سيدنا صلاح الدين قرر تدريس هذه العقيدة في المدارس حتى للصبيان، ليس للكبار فقط، بل قرّر أيضًا أن تقرأ على المآذن بعد صلاة الصبح لينتفع الناس بها.
ومن الأشاعرة أيضًا السلطان محمدٌ الفاتح الماتريدي الذي كان ينزه الله تبارك وتعالى عن المكان والجهة والكيفية والكمية والحد ويعتقد جواز زيارة قبور الأنبياء والصالحين والتبرك بآثارهم والتوسل إلى الله بذواتهم الفاضلة شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الملوك والأمراء كالسلطان صلاح الدين الأيوبي الذي أمر بتدريس العقيدة الأشعرية للأطفال في المدارس ليحصنهم من الزيغ والضلال وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السلطان حين قال (لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) رواه أحمد والحاكم.
وفتحت القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح وما امتداح النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه لفاتح القسطنطينية ولجيشه إلا بشرى عظيمة للأشاعرة الذي كان الفاتح منهم ويعتقد معتقدهم ويناضل عنه فالنبي مدح جيش الأشاعرة وأميره والنبي عليه الصلاة والسلام لا يمدح كافرًا أبدًا، فيجب الاعتناء بمعرفة عقيدة الفرقة الناجية الذين هم السواد الأعظم، وأفضل العلوم علم العقيدة لأنه يبين أصل العقيدة التي هي أصل الدين، وهذا العلم سماه أبو حنيفة الفقه الأكبر.
(1) قول الإمام المهدي في تنزيه الله عن المكان والزمان، يقول إبن عرفة وهو من كبار علماء المغرب العربي وما أحسن قول الإمام المهدي أي ابن تومرت في عقيدته حيث قال (ولا يقال متى كان ولا أين كان ولا كيف كان، كان ولا مكان كوّن المكان ودبّر الزمان، لا يتقيّد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان).