إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
مهما تكرر الذنب من العبد ثم تاب فإن الله يغفر له
روى الحاكم بإسناد صحيح من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ أحدُنا يذنب الذنبَ، قال صلى الله عليه وسلم (يكتب عليه)، فقال ثم يستغفر ويتوب، قال صلى الله عليه وسلم (يغفر له ويثاب عليه) أي يثاب على التوبة والاستغفار، قال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعود فيذنب، فأجابه صلى الله عليه وسلم (يكتب عليه)، قال أي الرجل ثم يستغفر ويتوب، قال صلى الله عليه وسلم (يغفر له ويثاب عليه ولا يمل الله حتى تملُّوا).
معناه مهما تكرر الذنب من العبد ثم تاب فإن الله يغفر له، وليس معناه أن الله يتصف بالملل الذي هو ضعف الهمة بالنسبة للمخلوق لأنّ ذلك صفة الحادث أي المخلوق والله منَـزه عن صفات المخلوقين.
وقد جاء في الحديث (عَلَيْكُم بِمَا تُطِيقُون فَوَاللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا)، قال الإمامُ الحَافظُ أبو الحَسَن بنُ بَطَّالٍ (ت 449 هـ) في شرحه على البخاريّ ما نَصُّه (وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنَ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) يعني أنّ الله لا يَقْطَعُ الْمُجَازاةَ عَلَى العِبَادَةِ حَتَّى تَقْطَعُوا العَمَلَ، فأخرج لَفْظَ الْمُجَازاةِ بِلَفْظِ الفِعْلِ، لأنَّ الْمَلَلَ غَيْرُ جَائِزٍ علَى اللهِ تَعالَى وَلا هُوَ مِن صِفَاتِه). انتهى