إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
يَجِبُ الإِيمَانُ بِالْمَلائِكَةِ أَىْ بِوُجُودِهِمْ وَهُمْ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ لا تُجَسُّ بِالْيَدِ خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ نُورٍ لَهُمْ أَرْوَاحٌ وَعُقُولٌ وَإِرَادَةٌ لَيْسُوا ذُكُورًا وَلا إِنَاثًا لا يَأْكُلُونَ وَلا يَشْرَبُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَنَامُونَ وَلا يَتْعَبُونَ وَلا يَتَنَاكَحُونَ وَلا يَتَوَالَدُونَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ مُكَلَّفُونَ وَعِبَادٌ لِلَّهِ طَائِعُونَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، أَعْطَاهُمُ اللَّهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّشَكُّلِ بِصُوَرِ الرِّجَالِ مِنْ بَنِى ءَادَمَ مِنْ غَيْرِ ءَالَةِ الذُّكُورِيَّةِ لَكِنَّهُمْ لا يَتَشَكَّلُونَ بِأَشْكَالِ الإِنَاثِ وَلا بِأَشْكَالِ الْبَهَائِمِ الْبَشِعَةِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَكُلُّ مَلَكٍ لَهُ جَنَاحَانِ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعَدَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿أُولِى أَجْنِحَةٍ ﻣَﺜْﻨَﻰٰ ﻭَﺛُﻠَﺎﺙَ ﻭَﺭُﺑَﺎﻉَ﴾ فَسَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ وَقَدْ رَءَاهُ الرَّسُولُ ﷺ بِمَكَّةَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ أَجْيَاد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ اطْلُبْ مِنْ رَبِّكَ أَنْ تَرَانِى عَلَى صُورَتِى الأَصْلِيَّةِ فَطَلَبَ الرَّسُولُ ذَلِكَ فَظَهَرَ لَهُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَسَدَّ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَصَعِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَىْ غُشِىَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ تَحَوَّلَ إِلَى الصُّورَةِ الْبَشَرِيَّةِ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا جِبْرِيلُ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنِى عَلَى سِتِّمِائَةِ جَنَاحٍ وَمَا نَشَرْتُ مِنْهَا إِلَّا جَنَاحَيْنِ وَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ إِسْرَافِيلَ عَلَى سِتِّمِائَةِ جَنَاحٍ الْجَنَاحُ الْوَاحِدُ مِنْهَا مِثْلُ كُلِّ أَجْنِحَتِى، وَيُوجَدُ فِى الْمَلائِكَةِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ خِلْقَةً كَحَمَلَةِ الْعَرْشِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُذِنَ لِى أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَىْ بِخَفَقَانِ الطَّيْرِ الْمُسْرِعِ وَهَذَا الْمَلَكُ كَتِفُهُ عِنْدَ الْعَرْشِ وَرِجْلُهُ فِى الأَرْضِ السَّابِعَةِ.
والملائكة كلهم يصلّون، الذين في السماء يصلون الخمس صلوات، كذلك الذين حول العرش يصلون، يصعدون على سطح العرش يسجدون ﻷن السجود لا يصح إلا على شىء جامد لا يصح السجود في الهواء، العرش معلق في الهواء والملائكة الحافون حوله يطوفون حوله في الهواء والعرش كالكعبة لهم، لما يصعدون على ظهر العرش يقابلهم العرش من كل الجهات، له شىء مرتفع من كل جوانبه حتى الذين يحملون العرش وقت الصلاة يصلون ثم يعودون إلى حمل العرش.
الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته ما اتخذه مكانًا لذاته، لولا حفظ الله للعرش لهوى ودمر ما تحته تدميرًا لكن الله حفظه وأبقاه فلا يقع، فقد قال الإمام أبو منصور البغدادي (ت 429 هـ) في الفرق بين الفرق صفحة 333 (وأجمعوا (أهل السنة) على أن الله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان) وقال الإمام علي رضي الله عنه (كان الله ولا مكان وهو الان على ما عليه كان) أي بلا مكان وقال (إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانا لذاته) وقال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد المالكي قاضي الجماعة بقُرْطُبة المعروف بابن رشد الجد (ت 520 هــ) ما نصه (والاستواء في قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (سورة الأعراف) معناه استولى قاله الواحدي وقيل معناه القهر والغلبة) ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل موافقًا له ومقــرًّا لكلامه.
وقال الشيخ أبو عبد الله محمد العبدري المعروف بابن الحاج المغربي المالكي (ت 737 هـ) وكان من أصحاب العلاّمة الولي العارف بالله الزاهد المقريء ابن أبي جمرة نفعنا الله به ما نصه (1) (لا يقال في حقه تعالى أين ولا كيف) وقال أيضا ما نصه (فلا يقال أين ولا كيف ولا متى لأنه تعالى خالق الزمان والمكان).
وذكر الإمام الحليمي وهو من كبار الفقهاء من أئمة أهل الحديث، قال فيه الذهبي إنه العلامة البارع رئيس أهل الحديث بما وراء النهر توفي سنة 403 للهجرة، ما نصه (وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة، وإن قال لا إله إلا الله ساكن السماء كان هذا زيادة كفر منه لأن السكن غير جائز على الله تعالى واحتظار الأمكنة ليس من صفاته” سبحانه ليس كمثله شىء).
وقال شيخ الإسلام القاضي عياض وغيره إن الإجماع منعقد على عدم حمل تلك الآيات والأحاديث على ظواهرها وإنه يجب ردّها إلى الأصل وهو قول الله تعالى (ليس كمثله شىء) وهذا مفهوم واضح من كلام الإمام مالك حين سئل عن الاستواء قال والكيفُ غير معقول رواه البيهقي، ومعنى ذلك تنزيه الله عن الحجم والجسم والكيف والمكان والجلوس سبحانه، وعلى ذلك إجماع أهل السنة والجماعة.
(1) المدخل.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.