إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (سورة المائدة آية 105).
 
بَعْضُ الْجُهَّالِ إِذَا قِيلَ لَهُمْ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، يَقُولُونَ مَا لَنَا وَلِلنَّاسِ نَحْنُ صَلَّيْنا وَصُمْنا وَاللهُ تَعَالى يَقُول (يا أَيُّها الَّذِينَ ءامَنُوا عَلَيْكُم أَنْفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم)، يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْنَى الآيَةِ أَنْتُمْ فَقَط اهْتَمُّوا بِأَنْفُسِكُم لَوْ لَمْ تَأمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.
 
هَؤُلاءِ مَا فَهِمُوا مَعْنى الآية، الإمَامُ أَحْمَدُ رَوَى في مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الآيَةَ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا (يَا أَيُّها الَّذينَ ءامَنُوا عَلَيْكُم أَنْفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، إِِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ). اهـ
 
فَهَذِهِ الآيَةُ مَعْناهَا أنَّهُ عَلَيْكَ نَفْسَكَ وعَلَيْكَ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ بِجِدٍّ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ بِجِدٍّ فإِن لَمْ يُطِعْكَ النَّاسُ الَّذينَ أَمَرْتَهُمْ وَنَهَيْتَهُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ إِذَا هُمْ عَصَوْا.