إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبِّ العَالمين وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسَلامُ اللهِ عليهم أجمعين، وبعد، يقول الله تباركَ وتعالى ﴿وللهِ الأسماءُ الحُسنى فادْعُوهُ بها وذَرُوا الذينَ يُلحِدُونَ في أسمائِه﴾ سورة الأعراف 180، وقالَ الإمامُ أبو منصورٍ البَغدادِيّ (لا مجَالَ للقِياسِ في أسماءِ اللهِ وإنّمَا يُراعَى فيها الشّرعُ والتّوقيفُ) ذكَر ذلكَ في كتابِه تفسيرُ الأسماءِ والصِّفات، أي ما وردَ بهِ النّصُّ القُرءانيُّ أو الحَدِيثيُّ الثّابت نُسمّيه بهِ، وما أجمَعتِ الأمّةُ على جوازِ تَسميةِ اللهِ به كإطلاقِ القَديمِ على اللهِ بمعنى الأزليّ يجوزُ إطلاقُه علَيه وما لا فَلا.
وَقالَ الإمامُ القاضي أبو بكرٍ الباقِلانيّ المالكي الأشعري (ما أطلَقَ اللهُ على نَفْسِهِ أطلقناهُ عليه وما لا فَلا) وقال في كتابه تمهيد الأوائل في حق الله تعالى ما نصه (فإن قال قائل أين هو قيل له الأين سؤال عن المكان، وليس هو ممن يجوز أن يحويه مكان ولا تحيط به أقطار) وقال في الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ وقوله ﴿ولم يكن له كفوًا أحد﴾ ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك). اهـ
وقالَ الإمامُ أبو الحسنِ الأشعريُّ رضي الله عنه (ولا يجوزُ تَسميةُ اللهِ إلا بما وردَ في الكِتابِ والسُّنّةِ الصّحيحةِ أو الإجماع) وهذا هوَ المعتَمد.
وقالَ الإمامُ الأشعريُّ (فلا يجُوزُ وَصفُ اللهِ بالرُّوحِ فلْيُحذَر ما في كتابِ قُوتِ القُلوب مِن تَسميةِ اللهِ بالرُّوح، فإنّ الرُّوحَ ليسَ وَصْفًا بل هو اسمٌ جامِدٌ وفيهِ إيْهامُ النّقصِ).
وكذلكَ لا يجوزُ تَسميةُ اللهِ بالقُوّةِ كمَا فَعلَ سيد قُطب وكأنّه اقتَدى بكلامِ بعضِ الملاحِدَةِ الذينَ يقولونَ إنَّ للعَالَم قُوّةً مُدبِّرةً ويَعنُونَ أنَّ اللهَ هوَ هذهِ القُوّة، ولَعلَّ هَذا مِمَّا اكتَسبَهُ مِنهُم حِينَ كانَ معَ الشُّيُوعيةِ إحدَى عَشْرَة سنةً كمَا ذُكِرَ اعتِرافُه في كتابِ (لماذا أَعدَمُوني)، وكذلكَ تَسميةُ سَيد قُطب للهِ بالعَقلِ المدَبِّر لأنّ العَقلَ صِفةٌ مِنْ صِفاتِ البَشرِ والجِنِّ والملائكة، وهذِه التّسميةُ تَدخُل تحتَ قولِ الإمامِ أبي جَعفرٍ الطّحاوي في كتابِهِ الذي ألّفَه لبيانِ ما عليهِ أهلُ السُّنة (ومَن وصَف اللهَ بمعنى مِن مَعاني البشَر فقَد كفَر) وكذلكَ ما في كتابِ (كُبْرى اليقينيَّاتِ الكَوْنِيَّة) من تسميةِ اللهِ بالعِلّةِ الكُبرى والسّببِ الأوّل والواسِطةِ والمصدَرِ والمنبَع، وذلكَ نوعٌ مِنَ الإلحاد، قال الإمامُ رُكنُ الإسلام عليٌّ السُّغدِي (مَن سمّى اللهَ علّةً أو سَببًا كفَر) وقال النَّسَفِيُّ في تفسيرِهِ (ومنَ الإلحادِ تَسميةُ اللهِ بالجِسم والجوهَر والعَقلِ والعِلّة) ويَكفي في الزّجر عن ذلك قولُ اللهِ تعالى ﴿وللهِ الأسماءُ الحسنى فادْعُوهُ بِهَا وذَرُوا الذينَ يُلحدونَ في أسمائه﴾ فمذهَبُ أهلِ السُّنّةِ أنَّ السّبَبَ والـمُسَبَّبَ خلْقُ اللهِ تعالى، وتسمِيةُ الله بالعلّةِ أشدُّ قُبحًا مِن تَسميتِه بالسّبَبِ لأنّ العِلّةَ في اللُّغةِ المرض ونحوُه واللهُ أزليّ أبدِيّ ذاتًا وصفاتٍ، فما أبعَدَ هذا الكلام مِن كلام مَن مَارَس كتُبَ عقائِد أهلِ السُّنَّةِ، فحَالُه كحالِ مَن لم يُعَرِّج عليها بالمرّة.
الفَلاسفةُ لعنَهمُ الله قالوا إنّ البَارِئَ تعالى موجُودٌ غيرَ أنّه عِلّةٌ لسائِرِ الموجوداتِ وسببٌ لها وهذا كفرٌ، السّببُ شىءٌ حادِثٌ يُتوصّلُ به إلى حادثٍ وقد يتخلَّفُ عنه مُسَبَّبُه، الجُوع حَادثٌ والأكلُ حادثٌ، الأكلُ سببٌ لزوالِ الجُوع فلا يُقال سببٌ إلا للمخلوقِ، أما اللهُ فلا يُسمّى سببًا.
تنبيهٌ مهمٌ:
لا يجوزُ تسميةُ اللهِ ناسِيًا ومَاكِرًا ومستَهزِئًا ومن سمّاهُ بذلك كفرَ لأنّه استَخفّ باللهِ، أما إذا قالَ على وجه المقابَلةِ أي الـمُشَاكَلةِ فلَيس فيه تنقيصٌ كما في قوله تعالى ﴿ومَكرُوا ومكَرَ اللهُ﴾ آل عمران 54 وقولِه ﴿نَسُوا اللهَ فنَسِيَهُم﴾ التوبة 67، والـمُشاكَلةُ معناها مشَابهةُ اللفظِ للّفظِ مع اختِلاف المعنى، ﴿نَسُوا الله﴾ أي تَركوا طاعَته، ﴿فنَسِيَهُم﴾ أي تَركَ عَونَهُم وَنَجَاتهم، فتَركَهُم في العذاب.
﴿ومكرُوا ومكَر اللهُ واللهُ خَيرُ الماكِرينَ﴾ في هذهِ الآيةِ أَسندَ اللهُ إلى نفسِه المكرَ، ومَكرُ اللهِ ليسَ كمَكرِ العباد، مَكْرُ الإنسانِ أن يُحاولَ إيصَالَ الضّررِ إلى إنسانٍ بطريقةٍ خفِيّةٍ يحتاجُ فيها إلى استعمالِ بعضِ الحِيَل، أما مكرُ اللهِ فليس هكذا، مَكرُ الله هو إيصالُ الضّرر إلى مَن يشَاءُ من عبادِه مِن حيثُ لا يَعلَمُ ذلكَ العبدُ ولا يظنُّ ولا يَحسِبُ أنّ الضّررَ يأتيهِ مِن هُنا، فمَكرُ العِبادِ مذمومٌ أما مكرُ الله لا يُذَمُّ لأنَّ اللهَ لا يجوزُ عليه الظُّلمُ، لا يكونُ ظالمـًا إن انتقَم مِن عبادِه الظّالمين بما يشَاءُ.
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.