إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال المفسر الإمام القرطبي في تفسيره ( 18 – 216) ما نصه (وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي، ومنـزل القطر، ومحل القدس، ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان). اهـ
 
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه المتوفى سنة 422 هجرية في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 ما نصه (ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشْيء ولا سألته الصحابة عنه ولأن ذلك إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار إلى الاماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام). اهـ
 
قال القاضي عياض اليحصبي المالكي (ت 544 هـ) في كتابه الشفا ج 2 – 214 الباب الأول في بيان ما هو في حقه صلى الله عليه وسلم سبٌ أو نقصٌ من تعرض أو نصٍ (من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبهه بشىء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له… قال محمد بن سنحون أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المُنتَقِصَ له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له… ومَنْ شكّ في كفره وعذابه كَفَرَ). اهـ
 
وجاء أيضًا في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، ج 2 – 348 (س: ما قولكم في رجل جرى على لسانه سب الدين (أي دين الإسلام) من غير قصد (أي من غير قصد الخروج من الدين) هل يكفر؟ فأجبت بما نصه الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، نعم ارتد، وفي المجموع ولا يعذر بجهل). اهـ
 
وقال الشيخ أبو عبد الله محمد أحمد عليش المالكي مفتي الديار المصرية الأسبق (ت 1299هـ) في منح الجليل على مختصر العلامة خليل ج 9 – 205 ما نصه (وسواء كفر بقول صريح في الكفر كقوله كفرت بالله أو برسول الله أو بالقرءان أو إلاله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو العزير ابن الله أو بلفظ يقتضيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزامًا بيِّنًا كجحد مشروعية شىء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرءان أو الرسول، وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه…..أو بفعل يتضمنه أي يستلزم الفعل الكفر استلزامًا بيِّنًا كإلقاء أي رمي مصحف بشىء قذر). اهـ
 
وقال الإمام حبيب بن الربيع أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه الذين يستخرجون الأحكام بالاستنباط من نصوص الإمام مالك رضي الله عنه في كتابه شرح الشفا للقاضي عياض (4 ص 378) (ادّعاء التأويل في ألفاظ صراح لا يقبل) وما ينسب في المذهب من قول أن الصريح يؤول فهذا بعيد وغير مقبول.
 
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422 هجرية في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 ما نصه: ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشْيء ولا سألته الصحابة عنه ولأن ذلك إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار إلى الاماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام. اهـ
 
وقال الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الشافعي (ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السُّنّة من الـخَلَف أنّ اللهَ منزّهٌ عن الحركة والتحوّل والحلول، ليس كمثله شىءٌ) 7 – 124 من فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه.
 
وترجم الإمام الحافظ العلامة المجتهد شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر في كتاب الإشراف ذكر صفة كمال الإيمان (أجمع كلّ مَن يُحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الكافر إذا قال أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله وأنّ كلّ ماجاء به محمد حق، وأبرأ من كلّ دين يخالف دين الإسلام وهو بالغ صحيح العقل أنه مسلم وإن رجع بعد ذلك وأظهر الكفر كان مرتدّا يـجب عليه ما يـجب على المرتدّ) صحيفة 332 من ءاية 185 من سورة الأعراف من تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
 
وإن رأى رجلاً في معصية وقال له الآخر، ألا تخاف الله؟ فقال لا، يصير كافرًا، لأنه لا يمكن التأويل، وكذا إذا قيل لرجلٍ ألا تخشى الله تعالى فقال في حالة الغضب لا، يصير كافرا، كذا في فتاوى قاضي خان 2 – 200 من الفتاوى الهندية.
 
إذ لقّن الرجلُ رجلاً كلمة الكفر فإنّه يصير كافرا، وإن كان على وجه اللعب، وكذا إذا أمر رجل امرأة الغير أن ترتدّ وتبين من زوجها يصير هو كافرا، هكذا رُوي عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنّ مَنْ أمر رجلاً أن يكفر كان الآمر كافرًا، كفر المأمور أو لم يكفر.
قال أبو الليث إذا علّم الرجلُ رجلاً كلمة الكفر يصير كافرًا…….كذا من فتاوى قاضي خان من الفتاوى الهندية باب الردة.
الثاني: سئل في رجل لم تـجرِ على لسانه كلمة الكفر ولكنّه اعتقد بقلبه ما يكفر هل يكون كافرًا وإنْ لم يتلفّظ، أو يتوقّفُ كفره على اجتماع القول والاعتقاد بالقلب.
أجاب: لا يتوقّفُ كفره على اجتماع القول مع الاعتقاد في القلب بل إذا اعتقد بقلبه ما يكفر يكون كافرًا كما أنه لو جرى على لسانه كلمة الكفر فإنه يُحكم بكفره ظاهرًا، ففي الدّر وحواشيه من الردّة أنّ ركنَ الردة إجراء كلمة الكفر على لسانه وهذا بالنسبة إلى الظاهر الّذي يحكم به الحاكم وإلاّ فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين، والله تعالى أعلم (2 – 27 من الفتاوى الـمهدية في الوقائع الـمصرية للفقيه الحنفي محمد العباسي.