إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

يَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعتْ منهُ رِدَّةٌ الْعَوْدُ فَوْرًا إِلَى الإِسْلامِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالإِقْلاعِ عَمَّا وَقَعَتْ بِهِ الرِّدَّةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّدَمُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ وَ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ لِمِثْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ كُفْرِهِ بِالشَّهَادَةِ وَجَبَتِ اسْتِتَابَتُهُ وَلا يَقْبَلُ مِنْهُ إِلاَّ الإِسْلامُ أَوِ الْقَتْلُ بِهِ يُنَفِّذُهُ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلام، وَيَعْتَمِدُ الْخَلِيفَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) وَيَبْطُلُ بِهَا صَوْمُهُ وَتَيَمُّمُهُ ووضوءهُ وَنِكَاحُهُ وردّةُ الزوج طلقة بائنة وإن أسلم في عدّتها وردّة المرأة كذلك، وَلا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَغَيْرِهَا، وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ وَلا يَرِثُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْه وَلا يُغَسَّلُ وَلا يُكَفَّنُ وَلا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُ فَيءٌ إلاّ إن كان عبدًا فلسيّده.
 
ولِأهمِيّة الموضوع نقول:
الرِّدةُ هيَ قَطعُ الإسلامِ وَتَحصُلُ تارَةً بِالقَولِ وتَارَةً بِالفِعلِ وَتارَةً بالاعتِقادِ، أَي أَنَّ الردَّةَ تَنقَسِمُ إِلى ثَلاثَةِ أَقسامٍ، اعتِقاداتٌ بِالقَلبِ، وَأَفعَالٌ بِالجوارِحِ، وَأَقوالٌ بِاللِّسانِ.
عُلماءُ الـمذاهِبِ الأَربَعَة قَسَّموا الردَّةَ إِلى هذا التَّقسيمِ، وَهذِهِ الأَقسَامُ الثَلاثَةُ ذَكَرَهَا العُلماءُ في مُؤَلَّفَاتِهِم كَابن عَابدِينَ الحنَفِي في حاشِيَتِهِ الـمسمَاةُ رَدُّ الـمحتَارِ عَلى الدرِّ الـمختَارِ وَالشيخُ مُحَمَّدُ عِلَّيش الـمالِكِي الأَزهَرِي في كِتَابِ مَنحِ الجليلِ وَالنوَوِيُّ الشافِعِيُّ في رَوضَةُ الطَالِبين وَالشيخ أَبو مَنصور بن يونُس بنِ إِدريس البُهوتِي الحنبَلِي في شَرحِ مُنتَهى الإرَادَات، وَقَد استَدَلوا عَلَى هذا التَّقسيمِ مِنَ القُرآنِ الكَريم، وَكُلُّ قِسمٍ مِن هذِهِ الأَقسَام الثَّلاثَة يُخرِجُ صاحِبَهُ مِنَ الإسلامِ مِن غَيرِ اشتِراطِ أَن يَجتَمِعَ مَعَهُ قِسمٌ ءاخَر.
فَيَنبَغي الحذَر مِن ذلِكَ لأَنَّ مَن مَاتَ عَلى الكُفرِ فَقَد هَلَكَ هَلاكًا عَظيمًا وَمَصيرُهُ الخلود الأَبَدِيّ في نَارِ جَهَنَّم أَمَّا مَن تَدَارَكَ نَفسَهُ بِالدخولِ في الإسلامِ فَقَد نَجَا مِنَ الخلودِ الأَبَدِيِّ في جَهَنَّم، وَالدخولُ في الإسلامِ يَكونُ بِالشهَادَتَينِ أَو مَا في مَعنَاهُمَا وَيَحصُلُ ذلِكَ بِقَولِ أَشهَدُ أَن لا إلهَ إِلا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ.