إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ (وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (سورة القَصَص ءايَة 77).
 
قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا) فَمَعْنَاهُ لا تَنْسَ أَنْ تَتَزَوَّدَ مِنْ دُنْيَاكَ لآخِرَتِكَ، الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْضِي عَلَيْهِ الشَّهْرُ ثُمَّ الشَّهْرُ وَلا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ، كَانَ يَأْكُلُ التَّمْرَ وَالْمَاءَ، التَّنَعُّمُ لَيْسَ مِنْ شِيَمِ الأَنْبِيَاءِ.
 
1) قال مُجاهِدٌ في تَفْسِيره (يَقُولُ لَا تَنْسَ الْعَمَلَ فِيهَا (أي في الدُنيا) بِطَاعَتِي).
 
2) قال الطبري في تفسيره (ولا تَتْرُكْ نَصِيبَكَ وحَظَّكَ مِن الدُنيا أَنْ تَأْخُذَ فِيها بِنَصِيبِكَ مِن الآخِرَةِ فتَعْمَلَ فِيها بِما يُنْجِيكَ غَدًا مِن عِقَابِ اللهِ، وبِنَحْوِ الذِي قُلْنَا في ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَأْوِيلِ).
 
عَنِ ابنِ عبّاسٍ أنه قال (أن تَعْمَلَ فِيهَا لِآخِرَتِكَ).
 
وعَن عَونِ بنِ عَبدِ الله في تأوِيلِ (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) أنه قال (إنّ قَوْمًا يَضَعُونَها علَى غَيْرِ مَوْضِعِها، (والْمَعنى) ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِن الدُنيا (أي أنْ) تَعْمَلَ فِيها بِطَاعةِ اللهِ).
 
عَن ابن زَيدٍ في قوله (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال (لا تَنْسَ أَنْ تُقَدِّمَ مِن دُنْيَاكَ لآخِرَتِكَ، فَإِنّما تَجِدُ في آخِرَتِكَ ما قَدَّمْتَ في الدُنيا).
 
3) قال ابن الجَوزي في تَفسيرِه (فيه ثلاثةُ أَقوالٍ أَحَدُها أنْ يَعْمَلَ في الدُنيا للآخِرَة، قاله ابنُ عباسٍ ومُجاهِدٌ والجُمهُورُ).
 
واعْلَمْوا رَحِمَكُم اللَّهُ، أَنَّ الْعِلْمَ الإِسْلامِيَّ نُشِرَ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ بِشِدَّةِ الْهِمَّةِ، لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرَّاحَةِ، فَمِنْ حَيْثُ الرَّاحَةُ، كَانُوا أَقَلَّ مِنَّا بِكَثِيْرٍ، الْفَقِيرُ مِنَّا الْيَوْمَ، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ نعِيشُ عِيشَةَ الْمُلُوكِ، كَانَ أَكْثرُ أَهْلِ الْحِجَازِ نَاحِيَةَ الْمَدِينَةِ، أَغْلَبُ قُوتِهِمُ التَّمْر وَالْمَاء، أَمَّا الضَّوَاحِي الَّتِي هِيَ بِلادٌ زِرَاعِيَّةٌ يَقتَاتُونَ بِالْقَمْحِ وَالشَّعِيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ