إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الإيمان شرط لقبول الأعمال الصالحة
ليعلم أن الإيمانُ شرطٌ لقبولِ الأعمالِ الصالحة، فمَنْ لم يؤمِنْ باللهِ ورسولهِ فلا ثوابَ لهُ أبداً في الآخرة، معناهُ أن الإنسان إذا كان على غيرِ دينِ الإسلامِ مهما فعلَ مِن الخيرِ لا يكونُ له ثواب، فالله يقول { مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} (18) سورة إبراهيم
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ابن جُدعان كان في الجاهليةِ يَصِلُ الرّحمَ ويُطعم المسكينَ فهل ذاك نافِعهُ؟ فقال: ” لا ينفعُهُ إنهُ لم يَقُلْ يوماً ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين ”
فاعتبرَ رسول الله عملَ ابن جدعان ( وهو قريب عائشة) من التَّصَدُّقِ على المحتاجينَ وَصِلَةِ الرَّحمِ وغيرِ ذلكَ غَيْر نافِعٍ له لأنه لم يكن يؤمنُ بالله
ويقول تعالى{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (124) سورة النساء
فبيَّنَ اللهُ تعالى في هذهِ الآيةِ أن الأعمالَ الصالحةِ إنما يقبلُها مِن المؤمن فقط أي المسلم، أما الكافرُ فمهما فعل مِن الخيراتِ في الدنيا اللهُ تعالى لا يُثيبُهُ عليها في الآخرة وتوضع سيئاته في كفه وتطيشُ الكفّةُ الأخرى أي كَفَّةُ الحسنات إذ لا حسناتَ له في الآخرة أما في الدنيا اللهُ يجازيه عليها .
قال رسول الله ( الدنيا سجنُ المؤمن وجنة الكافر ) وورد في الحديث أن الكافرَ يُجزى بِحسناتهِ في الدنيا فإذا أفضى إلى الآخرةِ لم يَكُنْ له فيها نصيب.
وذلك لأنه أضاعَ أعظمَ حقوقِ اللهِ على عِبادهِ ألا وهو الإيمانُ بالله, فالكافرُ أحقرُ مخلوقاتِ الله, أحقرُ مِن البهائمِ بدليلِ ما قاله ربنا { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (55) سورة الأنفال والدوابّ جمعُ دابَّةٍ والدابةُ هي كلُّ ما يَدُبُّ على الأرض
وورد في الحديث الذي رواهُ ابن حِبان وأحمد في مُسندهِ والطبراني في المُعجم الكبير( لا تَفْتَخِروا بآبائِكُم الذينَ ماتوا في الجاهِليَّةِ فوالذي نفسي بيدِهِ إنَّ ما يُدَهْدِهُهُ الْجُعَلُ بمِنْخَريْهِ خيرٌ مِن آبائِكُم الذين ماتوا في الجاهِلية) أي الذين ماتوا على الشِركِ والكفر,
وورد في الحديث( إن ما يسوقه الجُعْلُ بأنفه خير عند الله من أولئك المشركين ) والجُعلُ حشرةٌ تقتاتُ على قذَرِ بني آدم فما تحملهُ هذه الحشرةُ خيرٌ عند اللهِ من الذين كفروا بالله, وهذا الحديثُ صريحٌ في أنَّ الكافِرَ أخَسُّ ما خلقَ الله
ويقول تعالى{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } (156) سورة الأعراف
ومعنى{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } أي في الدنيا كلاًّ من المسلم والكافر , فالكافرُ إذا شرِبَ من الماءِ الباردِ هذه رحمةٌ له وإذا اسْتَظَلَّ تحت شجرةٍ هذه رحمةٌ له وإذا تنَفَّسَ هذه رحمةٌ له وإذا دخلَ في الإسلام هذه رحمةٌ له, أما إذا ماتَ الكافرُ على كُفرِهِ فلا رحمةَ له بالمرَّة .
ويقول تعالى{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء
ويقول تعالى{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (34) سورة محمد
ويقول تعالى{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (80) سورة التوبة
ومعنى{ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } أي أن رحمةَ اللهِ في الآخرةِ تكونُ للمؤمنينَ فقط
ومعنى{ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي الذين اتقوا الكفرَ والشرك, فيُعلم من هذا عدمُ جوازِ طلبِ الرحمةِ والمغفرةِ لِمَنْ ماتَ على الكفر