إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

المسلم لَمَّا يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَــْــهَ إِلاَّ اللهُ يكون مَعْنَى ذَلِكَ أُصَدِّقُ بِقَلْبِى يَقِيناً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَأَنْطِقُ بِلِسَانِى أَنَّهُ لاَ أَحَدَ يَسْتَحِقُ أَنْ يُعْبَدَ إِلاَّ اللهُ. المسلمُ يصدقُ بقلبِه يقينا وينطِقُ بلسانِه معترفا أن لا معبودَ بحقٍ إلا الله. ولا يقالُ لا معبودَ إلا الله لأن هناكَ أشياءَ تعبدُ بغيرِ حق ولا يقال عنها الله. مثلا بُوذَا عُبِد بغير حق، وَعِيسَى عُبِد بغير حق ، وَالأَصْنَامُ عُبِدت بغير حق ، وَحَتَّى الشَّيْطَانُ عُبِد بغير حق ، ولا يقال عن بوذا ولا عيسى ولا الأصنام ولا الشيطان الله. فإذن لا يقال لا معبود إلا الله إنما الصواب أن يقال لا معبود بحق إلا الله وهذا معنى لا إله إلا الله. لا إله إلا الله أي الَّذِى يَسْتَحِقُّ أن يُعبد أي أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةَ التَّذَلُلِّ والتعظيم إِنَّمَا هُوَ اللهُ تَعَالَى الْخَالِقُ وَحْدَهُ. وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ أي نهايةُ التعظيم، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى غَايَةُ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ كَمَا عَرَّفَهَا بِذَلِكَ الْحَافِظُ اللُّغَوِىُّ الْمُفَسّـِرُ الْفَقِيهُ الأُصُولِىُّ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ، وَكَمَا قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْبَهَانِىُّ وَغَيْرُهُمَا. وليعلم يا أحبابنا الكرام أن المسلمَ لا يُعظمُ أحدًا كما يُعظمُ الله مع أنَ المسلمَ يُعظمُ الأنبياءَ والملائكةَ والأولياءَ لكن يعظمُهم إلى حدٍ يليقُ بهم ليسَ كتعظيمِ الله لأنَ تعظيمَ الله مُطلق، هو أقصى غاياتِ التذللِ والتعظيم وهذا لا يَستحقُهُ أحدٌ إلا الله سبحانَه وتعالى فمن صرفَه لغيرِ اللهِ صارَ مُشركا والعياذُ بالله. وهنا تنبيهٌ مهم: لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ مُجَرَّدَ النّـِدَاءِ، وَلاَ مُجَرَّدَ الْخَوْفِ، وَلاَ مُجَرَّدَ الرَّجَاءِ، إِنَّمَا إِذَا اقْتَرَنَ النّـِدَاءُ بِنِهَايَةِ التَّذَلُّلِ والتعظيم أَوِ اقْتَرَنَ الْخَوْفُ بِنِهَايَةِ التَّذَلُّلِ والتعظيم أَوِ اقْتَرَنَ الرَّجَاءُ بِنَهَايَةِ التَّذَلُّلِ والتعظيم فَهَذِهِ هِىَ الْعِبَادَةُ التي من صرفها لغير الله صار مشركا. فمن فهم معنى العبادةِ كما فسرَها علماءُ الدين وعلماءُ اللغةِ عَلِمَ أنَ التوسلَ والتبركَ بالأنبياءِ والأولياءِ ليسَ عبادةً لهم لأن تعريفَ العبادةِ لا يَنطبقُ عليهما. وفي الختام نسألُ الله أن يكرمنا بالإخلاصِ في القولِ والعملِ وأن يرزُقَنا فهمَ أمورِ الدين على وجهِها والحمدُ لله ربِ العالمين.