إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الله يُضِلُّ من يشاءُ، أي يخلق الضلالة في من يشاءُ من عباده، ويهدي من يشاءُ، أي يخلق الاهتداء في قلب من شاء من عباده. فلا أحد يهدي أو يُضِل بهذا المعنى إلَّا الله.
فالأنبياء وأتباعهم لا يهدون بهذا المعنى، إنما هم يهدون بمعنى أنهم يدلون الناس على طريق الهدى، أما خلق الاهتداء فليس مما يدخل في إمكانهم، لأنه لا أحد يخلق الهداية ولا الضلالة في القلب إلَّا الله.
لذلك، الأنبياء ما هدَوا بهذا المعنى، الذي هو خلق الاهتداء، كثيرًا من أقاربهم. نوح عليه السلام ما استطاع أن يقلب قلب ابنه الذي عصاه ولم يؤمن فغرق مع الكفار.
وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعض أقاربه ما اهتدوا، وبعضهم اهتدوا، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يخلق الاهتداء في قلوب الناس، إنما أقدره الله على الدلالة بالبيان، وهذا معنى قوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} أي أنه يدل الناس على طريق الهداية ولا قدرة له على خلق الهداية فيهم.
وقد يُسند الإضلال إلى الشيطان مجازًا، كما يُسند إلى الأصنام.
قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ}، فمعنى {فَهَدَيْنَاهُمْ} أي دللناهم على طريق الهدى، وليس معناه خلقنا في قلوبهم الاهتداء، لأنه لو خلق الله في قلوبهم الاهتداء لحصل منهم الاهتداء.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، وبالله العصمة والتوفيق.