إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الصّفَةُ الثانِيَةُ: القِدَمُ
القِدمُ معناهُ الأزلية فإذا قيل الله قديمٌ معناه لا ابتداءَ لوجودِهِ، هذا في حق الله أما في حق غيره إذا قيل قديمٌ فمعناه مضى عليه زمانٌ طويلٌ، كذلك الأزليُّ، فالله تعالى هو الأزليُّ بهذا المعنى أي لا ابتداءَ لوجودِهِ فلا أزلي إلا الله، وأما الأزليُّ بمعنى قِدَمِ العهدِ والزمنِ فيوصفُ به المخلوقُ لغةً وعلى لسانِ حَمَلَةِ العِلمِ. أما لُغةً فقد قال الفيروز ابادي صاحب القاموس في مادةِ هرم: الهرمانِ بِناءانِ أزليانِ بمصرَ.
– فالله تبارك وتعالى هُوَ القديمُ، هو الأزليُّ بمعنى لا ابتداءَ لوجودِهِ، وما سواهُ لا يقالُ عنه قديمٌ ولا أزليٌّ بهذا المعنى إلا بالمعنى الثاني وهو تقادمُ العهدِ وطولُ الزمنِ، ولم يَرِد في القرءانِ إطلاقُ القديمِ على الله بهذا اللفظِ لكن وردَ معناه قالَ تعالى: ﴿هُوَ الأوَّلُ﴾ لأنهُ لا يجوزُ تفسيرُهُ بقدَمِ العهدِ لأنَّ قِدمَ العهدِ صفةٌ من صفاتِ المخلوقاتِ والله تعالى كانَ قبلَ الزمانِ فلا يوصفُ بقدمِ الزَّمَنِ.
– قال أهلُ الحقّ: الموجوداتُ ثلاثةُ أقسامٍ:
القسم الأول: أزليٌّ أبديٌّ وهو الله تعالى وصفاتُه فقط وصفاتُه كلُّها أزليةٌ بأزليةِ الذاتِ، ولمَّا ثبتَت الأزليةُ لذاتِ الله تعالى ثبتَت الأزليةُ لصفاتِهِ، وورَدَ في غيرِ هذا اللفظِ الدِلالةُ على أزليةِ الله تعالى في القرءانِ الكريمِ في عدةِ مواضِعَ كقوله تعالى: ﴿وكان الله غفورًا رحيمًا﴾ ونحو ذلك ومعناه إنه غفورٌ رحيمٌ في الأزلِ، كذلك قوله تعالى: ﴿وكان الله عليمًا حكيمًا﴾ فالأَزليةُ في القرءانِ لو لم يَرِد نصُّها لكِنَّ معناها ثابتٌ في أكثر من موضِعٍ في القرءانِ الكريمِ، وفي الحديثِ الصحيحِ حديثُ البخاريّ الذي سبَقَ ذِكرُهُ: “كان الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ” فإذا عُرِفَ هذا فمن ادَّعى الأزليةَ لشىءٍ غيرِ الله فقال العالمُ أزليٌّ بنوعِهِ أي بجنسِهِ وأشخاصِهِ فهو كافرٌ، ومن قال العالم أزليٌّ بجنسه لا بأفراده المعينة فإنها مخلوقة حادثة فهو كافر أيضًا وهو رأيُ الفلاسفَةِ المحدَثينَ وابنِ تيميةَ.
القسمُ الثاني من الموجودِ: أبديٌّ لا أزليٌّ وهو الجنةُ والنارُ.
القسمُ الثالثُ: لا أزليٌّ ولا أبديٌّ وهو ما سوى الجنةِ والنارِ من المخلوقاتِ ويُلحقُ بهما ما في الجنةِ من الحورِ والولدانِ وأشياء أخرى على ما قال بعضُ أهلِ العلمِ.
وأما أزليٌّ لا أبديٌّ فهذا مستحيلٌ، الأزليُّ لا يكونُ إلا أبديًّا فالله تعالى أزليٌّ أبديٌّ بصفاتِهِ، أي أن صفاته أيضًا أزليةٌ أبديةٌ.