إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
التيمم شرعًا إيصال التراب إلى الوجه واليدين بنية مخصوصة وبشرائط مخصوصة، وهو خاص بأمّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشرع لغيرها، قال تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا [43] ﴾ [سورة النساء].
والتيمم يكون في حال مباحًا أي جائزًا لا واجبًا، وفي حال واجبًا. فيكون مباحًا إذا فقد الماء ولم يجده إلا وهو يُباع بأكثر من ثمن المثل فله أن يشتريه وله أن لا يشتريه ويتيمم.
وأمّا الحال التي يكون فيها التيمم واجبًا فهي كأن يكون الماء يضره أو يفقد الماء. والضرر الذي يبيح التيمم هو أن يخاف على نفسه من استعمال الماء أو على عضوٍ من أعضائه التلف أو الضرر أو مرضه.
وفقد الماء إما أن يكون فقدًا معنويًّا أو حسيًّا.
أمّا الفقد المعنوي فهو كأن يحول بينه وبين الماء الذي هو بالقرب منه سبع أو عدو، أو أن يحتاج إلى الماء لشربه ولا يجد غيره فيصح له التيمم مع وجود الماء.
وأمّا الفقد الحسي فهو أن لا يجد الماء في القدر الذي يجب الطلب فيه من المساحة، وذلك كأن يكون الماء في مسافة تبعد عن المكان الذي هو فيه فوق حد القرب، وحد القرب قُدّر بنحو نصف فرسخ وهو مسافة 1400م تقريبًا، فلا يجب عليه طلبه؛ ثم إن تيقن عدم وجود الماء تيمم بدون طلب لأن الطلب والحالة هذه عبث، أما إن كان لم يتيقن عدم وجود الماء بل جوّز وجود الماء فيسأل في رحله ورُفقته إن كان مسافرًا كأن يقول: “من معه ماء يجود به ولو بالثمن”، فإن لم يجد ينظر حوله يمينًا وشمالا وأمامه وخلفه إن كان بأرض مستوية وإلا تردد إلى حدّ يلحقه فيه غوث رفقته لو استغاث بهم، فإذا لم يجد تيمم، وقدرت مسافة حدّ الغوث بثلاثمائة ذراع شرعي.
ومن شروط التيمم:
• أن يكون بعد دخول وقت الصلاة.
• وأن يكون بتراب خالص طهور له غبار. فلا يصح التيمم بتراب نجس كالتراب الذي أصابه بول، ولا بالمستعمل وهو التراب الذي انفصَل عن عضو التيمم بعد استعماله للتيمم.
• وأن يكون له غبار، وهذا الحكم عند الشافعي، أمّا عند الإمام مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل فيصح التيمم بالحجر أيضًا لأن الصعيد عندهم في قوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا [43] ﴾ [سورة النساء]: هو وجه الأرض.
وفرائض التيمم:
– النقل: أي نقل التراب إلى العضو الممسوح.
– والنية: كنية استباحة فرض الصلاة أو استباحة الطواف أو مس المصحف، ويجب أن تكون النية مقترنة بنقلِ التراب إلى العضو الممسوح وأن تستدام إلى أن يمسح جزءًا من الوجه.
– ومسح الوجه: ولو كانت له لحية يمسح ظاهرها.
– ومسح اليدين مع المرفقين: أمّا في مذهب مالك فيكفي مسح الكفّين على قول وهو مشهور المذهب الراجح.
– والترتيب: فلو قدّم مسح اليدين على الوجه لم يصح تيممه.
ومن سنن التيمم:
• التسمية.
• وتفريج الأصابع أول كل ضربة لأنه أبلغ في إثارة الغبار فلا يحتاج إلى الزيادة على الضربتين.
• وتقديم اليمنى على اليسرى.
• والموالاة بين المسحتين بتقدير المسح غسلًا.
• والموالاة بين التيمم والصلاة وهو واجب في تيمم دائم الحدث كما في وضوئه.
ويسن نزع الخاتم للضربة الأولى وهو واجب للثانية كي يصل التراب إلى محله.
والذي يبطل التيمم:
• ما أبطل الوضوء.
• ورؤية الماء في غير وقت الصلاة: أما لو رأى الماء وهو في الصلاة فإن كان تيمم لفقد الماء في مكان يكثر فيه وجود الماء بطل تيممه، وإلا فلا، ولكن الأحسن في الحال الأخيرة أن يتوضأ الشخص ويصلي بالوضوء.
• والردّة: وهي مبطلة للتيمم لا الوضوء.
ومن تيمم لفقد الماء في مكان يندر فيه فقد الماء فعليه إعادة كل صلاة صلاها بهذا التيمم فإن كان في مكان يكثر فيه فقد الماء فلا تجب عليه الإعادة.
ويتيمم لكل فرض فلا يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة، لكنه يصلي به ما شاء من النوافل، فقد صح عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال: “يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث”، رواه البيهقي.
ومن فقد الماء والتراب صلّى الفرض احترامًا للوقت ثم يعيد، وقيل يترك الصلاة إلى أن يجد أحد الطهورين.
حكم من وضع جبيرة:
الجبيرة هي ما يجبر به محلُّ الكسر، لكنّ الفقهاء يريدون ما هو أعمُّ من ذلك، فيشمل كل ساترٍ يوضع للحاجة على محل العلة.
ويشترط في الجبيرة أن لا تأخذ من الصحيح إلا ما لا بُدّ منه للاستمساك. فمن وضع جبيرة وكان يضره رفعها وغسل ما تحتها إما بزيادة المرض أو بتأخّر الشفاء أو نحو ذلك يمسح عليها بالماء ويتيمم، وهذا التيمم بدل عن غسل العليل والمسح بدل عن الصحيح الذي منعت الجبيرة وصول الماء إليه، فلو كانت الجبيرة بقدر العلة أو كانت زائدة عن العلّة لكن غسل ما تحت الزائد فلا يجب المسح بالماء.
ثم إن كانت الجبيرة وضعت في غير أعضاء التيمم كالرّجْل فينظر إن كان وضعها على طهر فلا تجب عليه الإِعادة، وإن كان وضعها على غير طهر فعليه الإِعادة، أمّا إن كانت الجبيرة وضعت على عضو من أعضاء التيمم كاليد فعليه إعادة تلك الصلاة مطلقًا.
وصاحب الجنابة مخيَّر بين أن يقدم الغُسل على التيمم وبين أن يقدم التيمم على الغسل لأنه لا يجب ترتيب غسل أعضاء الجسد في الغسل والأفضل تقديم التيمم.
وأمّا المحدث حدثًا أصغر فليس له أن يتيمَّم إلا عند صحّة غسل العضو العليل، فلو كانت العلّة في رِجلِه فلا يتيمّم إلا بعد أن يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ثم يتيمم ويغسل رجليه، أو يغسل رجليه ثم يتيمم.
وعند الإمام مالك لا يحتاج إلى تيمم من كان أكثر بدنه صحيحًا بل يكفيه غسل الصحيح والمسح على الجبيرة ولا يعيد.
فائدة: لا تجب الإعادة على من تيمم لفقد الماء بمحل لا يغلب فيه وجوده، أو تيمم بسبب الحاجة إليه لشربه، أو لأنه كان لا يجده إلا بثمن وقد عجز عنه، أو لا يباع إلا بأكثر من ثمن المِثل، أو حال بينه وبين الماء عدو، أو خاف من استعماله تلفًا أو بطء بُرء أو زيادة مرض أو حصول شَيْن فاحش بعضو ظاهر.