إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال الله تبارك وتعالى:
﴿إِنَّ الصَّلوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ – سورة النساء
أحكام الصلاة: فصل في شرائط صحة الصلاة
على مذهب الإِمام الشافعي رضي الله عنه
• الإسلام: فالكافر الأصلي لا تصح منه الصلاة، وكذلك المرتد الذي خرج من الإسلام إلى الكفر بمسبة الله أو النبي أو القرءان أو غير ذلك، لا تصح صلاته إلا بعد الرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين.
• والعقل: فالمجنون لا تصح منه الصلاة، وهو غير مكلف.
• والتمييز: فالولد غير المميز لا تصح منه الصلاة، فلا يقال لغير المميز صلّ، بل يقال له انظر كيف الصلاة. ويميّز الصبي إذا صار يفهم الخطاب ويردّ الجواب.
• واستقبال القبلة: أي الكعبة أي جرمها أو ما يحاذي جرمها إلى السماء السابعة أو الأرض السابعة، فلو استقبل ببعض بدنه وبعضُ بدنه خارج عنها لم يكفِ. والمراد بالكعبة القدر القائم الآن الذي كان قائمًا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال حين صلى إليها: “هذه القبلة” متفق عليه. والمراد بالاستقبال أن يستقبل بالصدر في القيام والقعود وبمعظم البدن في الركوع والسجود.
• ودخول وقت الصلاة: أي أن من شروط صحة الصلاة معرفة دخول الوقت يقينًا كأن يعاين الزوال برؤية زيادة الظل عما كان عليه عند بلوغ الشمس وسط السماء، أو يُعاين تحوله إلى جهة المشرق بعد أن كانت الشمس في وسط السماء، أو ظنًّا باجتهاد بنحو وِرد، فلا يكفي القيام للصلاة والدخول فيها بمجرد التوهم، بل تلك الصلاة فاسدة ولو صادفت الوقت، وما أكثر من يصلي على هذه الحال فهؤلاء لا صلاة لهم عند الله تعالى، فينبغي الاعتناء بالوقت والاهتمام له، فقد روى الطبراني بالإسناد الصحيح المتصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله” رواه الطبراني، وفي ذلك أن القمر له دَخلٌ في أمر الوقت، فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثةٍ يعني الليلة الثالثة من الشهر القمري، رواه الترمذي.
• والعلم بفرضيتها: أي أن يعتقد أن هذه الصلاة التي يصليها فرض، فلو كان يتردد فيها أو اعتقد أن الصلاة المفروضة نفل ليست فرضًا لم تنعقد صلاته حتى يعرف أنها فرض فتصح منه.
• وأن لا يعتقد أن فرضًا من فروضها سنة، أي غير واجب كالركوع والسجود والقراءة للفاتحة وغير ذلك مما هو فرض متفق عليه في مذهب الشافعية، فإن اعتقد أن قراءة الفاتحة غير واجبة لا تصح صلاته عندهم. أما من اعتقد أن أفعالها أو أقوالها كلها فروض صحت صلاته، ومن اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعض أفعالها سنة ولم يقصد بفرض معين أنه سنة فإن صلاته صحيحة سواء في ذلك العامي وغيره.
• وستر العورة: ولو كان في ظلمة وخاليًا تأدبًا مع الله تعالى. والستر يحصل بما يستر لون الجلد والشعر، وأمّا ما لا يستر اللون فلا يكفي، ويشترط في هذا الستر أن يكون من الأعلى والجوانب لا من الأسفل فإنه لو صلى الشخص على مكان مرتفع وكانت ترى عورته – فخذه مثلًا – لمن نظر إليه من أسفل لكنها لا ترى من الأعلى والجوانب صحت صلاته.
* وعورة المرأة الحرة في الصلاة وخارج الصلاة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، فوجه المرأة ليس بعورة وكذلك كفَّاها بإجماع أئمة الاجتهاد، فلا يجب على المرأة الحرة ستر وجهها في الطرقات أو بحضور الأجانب ولو في غير الطرقات.
* وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، فليست السرة والركبة عورة إنما العورة ما بينهما، هذا الحكم في مذهب الشافعي رضي الله عنه، فالفخذ عنده من العورة يجب ستره وهذا هو الأحوط.
• والطهارة عن الحدث: أي الحدث الأصغر والأكبر.
* والحدث الأصغر يوجب الوضوء فقط كمن لمس امرأة أجنبية بلا حائل أو بال أو تغوط فيكون أحدث حدثًا أصغر يجب عليه الوضوء للصلاة أو لحمل المصحف أو نحو ذلك.
* والحدث الأكبر يوجب الغسل، كالحيض والنفاس وخروج المني، فيجب على المرأة الغسل بعد انقطاع دم الحيض والنفاس للصلاة وغيرها مما لا يصح إلا بالطهارة عن الحدث الأكبر. وكذلك من خرج منه مني.
• والطهارة عن النجاسة غير المعفو عنها في:
* البدن حتى داخل الفم والأنف والعين.
* والثوب: فإذا أصاب الثوب نجاسة غير معفوّ عنها كالبول فلا تصح الصلاة معها.
* والمكان الذي يلاقي بدنه: فلا تضرّ المحاذاة بلا مماسة فلو حاذى بصدره نجاسة فإن ذلك لا يضر، فعُلم من ذلك أن من صلى في مكان وبقربه نجاسة لا تمس ثوبه ولا بدنه ولا شيئًا يحمله كرداء فإن صلاته صحيحة.
* ويشترط أن لا يكون حاملًا للنجاسة كقنينة فيها نجاسة يحملها في جيبه.