إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عنه أنه قال:”لا تسبوا قريشًا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علمًا“. معنى هذا الحديث أنه سيأتي عالم من قريشٍ يملأ جهاتِ الأرض علمًا. ففكر العلماء على من ينطبق هذا الحديث؟ فوجدوه ينطبق على الشافعي، لأنه من قريش، أما الثلاثة الآخرون مالك وأحمد وأبو حنيفة فليسوا من قريش، ففسر العلماء الحديثَ بالشافعي، والأمر كذلك لأن مذهبه انتشر في الشرق والغرب والشمال والجنوب إلى يومنا هذا.
 
 
الشافعي كان عالمًا فقيهًا محدثًا مجتهدًا، واسمه محمد بن إدريس، ولد سنة مائة وخمسين من الهجرة، وتوفي سنة مائتين وأربعة كان رضي الله عنه حسن الصورة حسن الصوت، حتى إن بعض الناس لما يريدون أن يسمعوا قراءة القرءان على الوجه الصحيح الذي فيه ترقيق القلب يذهبون إليه، يقولون: اذهبوا بنا عند هذا الفتى المطّلبي، فيجلسون عنده وهو يقرأ، ومن شدة ما يحصل عندهم من الشوق والخوف من الله يتساقطون يغلب عليهم الخوف من الله، وما ذاك إلا لسرٍ في قراءته، ليس كل قراءة فيها بركة.
 
 
وكان الشافعي رضي الله عنه من أهل الكشف، مرة قال لأحد تلامذته: أنت في الحديث، يعني أنت تبقى تشتغل في الحديث، فطلع كذلك، وهو الربيع المرادي، وقال لآخر: أنت في الحديد، وقال لآخر: أنت رجل المناظرة، أي أنت قوي في المناظرة ثم هذا الذي قال له: أنت في الحديد وهو البويطي.
 
 
لما حصلت محنة بعد وفاة الشافعي، الخليفة الذي كان في بغداد صار يقول للناس: قولوا القرءان مخلوق، وهذا الكلام لا يجوز، بعض الناس خوفًا من العقوبة صاروا يقولون، وبعضهم أبوا أن يقولوا، الإمام أحمد في بغداد امتنع من القول بخلق القرءان، فسلط عليه الخليفة مائة وخمسين جلادًا يتعاقبون على ضربه في ليلة واحدة، ومع ذلك لم يمت من ذلك. أما الذي تكلم عنه الشافعي وقال له: أنت في الحديد، كان في مصر، امتنع أيضًا من القول بخلق القرءان، فأرسلوه من مصر إلى بغداد مكبلاً بالحديد، فتحقق فيه كلام الشافعي، ومع ذلك هو ما تزحزح بل ثبت حتى مات؛ وأما الآخر فصار قويًا في المناظرة، أيُّ إنسان يناظره يقوى عليه وهذا الأخير يقال له المُزَني.
 
 
بعض الجهال يظنون أن العلماء ليس لهم كرامات إنما الكرامات على زعمهم لأهل الطريقة المتصوفين، وهذا باطل. كل عالم يعمل بعلمه ظاهرًا وباطنًا فهو ولي إن ظهرت له كرامة وإن لم تظهر. من لنا في هذا الزمن مثل الشافعي الذي إذا قرأ القرءان فاستمع له الناس يتساقطون من شدة الفرح والخشية من الله، من شدة اللذة بسماع قراءة القرءان.