إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال الله تعالى { هو الأولُ والآخِرُ والظاهرُ والباطنُ وهو بكلِ شىء عليم } سورة الحديد/3
إنّ الناظر المتأمل في بدائع المخلوقات وعجائب المصنوعات يجد الآيات البينات والدلائل الدالة على وجود الخالقِ الواحد وقدرته ونفوذِ مشيئته وظهورِ عظمته. وإنّ خالق هذا العالم الذي أبرزه من العدم إلى الوجود لا بد أن يكون متصفا بصفات الكمال التي تليق به والتي لا تشبه صفات المخلوقات.
فنحن علمنا مخلوق لا نعلم كل شىء، وقدرتنا مخلوقة لا نقدر على كل شىء ومشيئتنا مخلوقة تتغير وتتبدل. أما الله سبحانه وتعالى فإنّه علم بعلمه كل شىء ولا يخفى عليه شىء ، ويَقْدِرُ بقدرته على كل شىء لا يعجزه شىء. ولا يحصل شىء في العالم إلا بمشيئة الله التي لا تتغير ولا تتبدل ، قال تعالى ( وما تشاؤونَ إلا أن يشاءَ اللهُ ربُّ العالمينَ ) سورة التكوير/29
والله سبحانه موجود لا بداية لوجوده، قال تعالى ( هو الأول )أي هو الذي لا بداية لوجوده.
جاء وفد من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له : ” يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين فأنْبِئْنا عن بدء هذا الأمر ما كان ” فقال عليه الصلاة والسلام ” كان الله ولم يكن شىء غيره ” رواه البخاري. لقد أجاب الرسول على سؤالهم بأنّ الله لا بداية لوجوده ، أي أزلي ، ولا أزلي سواه. وبعبارة أخرى : ففي الأزل لم يكن إلا الله تعالى ، والله تعالى خلق كل شىء. ومعنى خلق كل شىء : أنّه أخرج جميع المخلوقات من العدم إلى الوجود .
والله سبحانه حي لا يموت ، لا نهاية لوجوده لا يطرأ على الله العدم. لأنّ من يطرأ عليه العدم يكون مخلوقا أي له بداية. قال تعالى { هو الأول والآخر } الله هو الآخر أي أنّ الله أبدي لا يفنى ولا يموت. وليس معنى { الآخر } أنّ الله ينتهي وجوده بعدما ينتهي وجود كل شىء.
وأما قوله تعالى { والظاهر } فمعناه أنّ كل شىء يدل عقلا على وجوده. قال أبو العتاهية :
أم كيف يجحده الجاحدُ :: فيا عجباً كيف يُعصى الإله
تدلُ على أنّه واحدُ :: وفي كل شىء له آيةٌ
إنّ الله سبحانه وتعالى ظاهرٌ بآياته أي ظاهر بدلائل وجوده. قال تعالى { أَفَلَمْ يَنْظُروا إلى السماءِ فوقَهم كيفَ بنَيْنَاها وزيَّنَّاهَا وما لَها من فُروج } سورة ق/6 وقال تعالى { اللهُ الذي خلقَ سَبْعَ سمواتٍ وَمِنَ الأرضِ مثلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الأمرُ بينَهنّ لتَعلموا أَنَّ اللهَ على كل شىء قدير وأنّ اللهَ قد أحاطَ بكلِ شىء عِلماً} سورة الطلاق/12
أيها الإنسان، إنّك إذا تأملت هذا العالم بفكرك وجدته كالبيت المبنيِّ المعدِّ فيه جميع ما يُحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرضُ ممدودة كالبساط والنجوم منصوبة كالمصابيح . وإنك إذا نظرت إلى ما هو أدنى إليك وهي نفسك رأيت فيها من العجائب والآيات الشىء الكثير. وكذلك إذا نظرت إلى مستقرك وهو الأرض وأطلت النظر باسترسال ذهنك فيما جُعل فيها وعليها من جبال شامخات وما أحيط بها من بحار وما جرى فيها من أنهار.. ثم إذا نظرت إلى سَعتها وسَعة الشمس متذكراً أنّ الشمس والقمر والنجوم قد حَوَتها السماء، فما عساك تقول حين تتأمل وتتفكر في السماء الحاوية لهذا القدر العظيم ؟! أليس الله ظاهراً بآياته !! أليس كل شىء يدل عقلا على وجوده ، بلى. فكيف ينكر المنكر ويجحد الجاحد ! إنّ في إنكار وجود الله إهدارا لقيمة البرهان العقلي وتضييعا لنعمة العقل.
وأما قوله تعالى { والباطنُ } فمعناه أنّ الله لا تُدركه الأوهام والتصورات فمهما فكّر الإنسان ليدرك ذات الله لا يصل إلى ذلك لأنّ ذات الله لا يشبه ذواتنا والله سبحانه لا يشبه المخلوقات ولا يوصف الله بصفة من صفات المخلوقات لا يوصف بالهيئة ولا الصورة ولا الشكل ولا الطول ولا العرض ولا اللون لأن هذه صفات تتصف بها المخلوقات والله لا يشبه المخلوقات.