إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الغِيْبَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الكَبَائِرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوْبِ، الغِيْبَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ. غِيْبَةُ المُسْلِمِ التَّقِيِّ الدَّيِّنِ مِنَ الكَبَائِرِ، أَمَّا غِيْبَةُ المُسْلِم الفَاسِقِ فَلَيْسَتْ مِنَ الكَبَائِرِ بَلْ مِنَ الصَّغَائِرِ. ثُمَّ هَذِهِ الغِيْبَةُ كَمَا تَحْصُلُ بِالنُّطْقِ لِلْعِبَارَةِ تَحْصُلُ بِالكِتَابَةِ. إِذَا كَتَبَ إِنْسَانٌ عَنْ شَخْصٍ مُسْلِمٍ: (إِنَّ فُلَانًا كَذَا) مِمَّا يَكْرَهُ، وَصَفَهُ بِمَا يَكْرَهُ، هَذَا أَيْضًا حُكْمُهُ كَأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ، (كَأَنَّهُ) اغْتَابَهُ بلِسَانِهِ، لِأَنَّ القَلَمَ قِيْلَ عَنْهُ: القَلمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، هَذَا الَّذِي يَكْتُبُ فِي شَخْصٍ بِمَا يَكْرَهُ يَكُوْنُ كَأَنَّهُ اغْتَابَهُ بِلِسَانِهِ، هَذَا إِذَا اغْتَابَهُ بِمَا فِيْهِ يَكُوْنُ غِيْبَةً، أَمَّا إِذَا اغْتَابَهُ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ يَكُوْنُ بُهْتَانًا، يَكُوْنُ أَعْظَمَ ذَنْبًا وَأَشَدَّ إِثْمًا.
 
قَالَ ابْنُ العَطَّارِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ المَحَلِيِّ عَلَى جَمْعِ الجَوَامِعِ مَا نَصُّهُ: قَالَ النَّجَّارِيُّ: وَالْمُفْتَى بِهِ الْآنَ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ [أَيِ الأَتْقِيَاءِ] وَالصَّالِحِينَ، صَغِيرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ. اهـ