إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
أمّا نَحنُ فالحَمد لله فعَلى مَا كانَ علَيهِ الصّحَابَةُ ومَن تَبِعَهُم إلى يَومِنَا هَذا، نَحنُ مع جمهُور الأمّةِ لَسنَا شَاذّينَ، وكانَ الخُلَفاءُ والسّلاطِينُ على مَذهَبِ أَهلِ السُّنّةِ، ومِنهُم السُّلطَانُ صَلاحُ الدّين الأيُّوبيّ المتَوفَّى سَنةَ تِسعِينَ وخَمسِمائةٍ مِن تَاريخ الهجرَة النّبَويّة، كانَ رضيَ اللهُ عنهُ سُلطَانًا عَادلًا وكانَ حَافظًا للقُرآنِ وكانَ حَافظًا لكِتَابِ التّنبِيهِ في فِقهِ المذهَب الشّافعِيّ وكانَ حَافظًا لكِتَابِ الحَماسَةِ، تَلَقَّى العِلمَ مِن أهلِ المعرفَةِ وكانَ يَحضُر مجَالِسَ المحَدّثِين على العَادَةِ القَدِيمَةِ عندَ عُلَماءِ الحديث وكانَ رضيَ اللهُ عَنهُ أشعَريّ العَقِيدَةِ وهيَ التي نَحنُ علَيها أنّ اللهَ تَبارك وتعالى ليسَ حَجمًا كثِيفًا ولا حَجمًا لطِيفًا ولا يتّصفُ بصِفَاتِ الحَجْم، صِفَاتُ الحَجم اللّطيف والكثِيف مُستَحِيلَةٌ على الله، اللهُ تَعالى كمَا أنّ ذاتَه أي حقيقتَه ليسَ حَجمًا لطيفًا كالضّوء والرِّيح وليسَ حَجمًا كثيفًا كالإنسَانِ والحجَر والشّجَر والنَّجْم والشّمسِ والقَمر لأنّه خَالِقُ كُلٍّ، خَالِقُ الحَجم اللّطِيف وخَالِقُ الحَجْم الكَثِيف، ما كانَ في الأزل حَجْمٌ كَثِيفٌ ولا حَجمٌ لَطِيفٌ، مَا كانَ لَيلٌ ولا نَهارٌ، ولم يكن هَذا الفَراغُ الذي بينَ الأرض والسّمَاء وبينَ كلّ سَماءٍ وسماءٍ وبَينَ السّمَاواتِ السّبْع إلى العَرش، ما كانَ شَىءٌ إلا اللهُ، مَا كانَ مَوجُودٌ إلا اللهُ، كُلُّ هَذه الأشيَاء حَادثَةٌ لم تَكُن، اللهُ تَبَارك وتعالى هو خَالِقُ الحَجْم اللَّطِيف والكَثِيف فلَيسَ هوَ حَجمًا لَطِيفًا ولا حَجْمًا كَثِيفًا وليسَ متَحيّزًا في جِهَةِ فَوقٍ ولا في غَيرِها وليسَ متَحَيزًا في جميع الجهَاتِ، كُلُّ ذلكَ مُستَحِيلٌ على الله لأنّه لو كانَ كذلكَ لكَانَ لهُ أَمثَالٌ، والقرآنُ الكَريم يقُولُ (ليسَ كمِثلِه شَىءٌ) مَعنَاهُ لا يُشبِهُ شَيئًا مِنَ العَالَم بوَجْهٍ مِنَ الوجُوه، ثم كمَا أنّ ذَاتَه أي حَقِيقَتَه لا يُشبِهُ شَيئًا كذلكَ صِفاتُه لا تُشبِهُ صِفاتِ غَيرِه، وهوَ مُتَّصِفٌ بالقُدرَة والإرادَةِ والعِلْم والسَّمْع والبَصَر والحيَاةِ والكَلام، هَذه الصّفَاتُ ليسَت كصِفَاتِ الخَلق لأنّ صِفاتِه لا تَزيدُ ولا تَنقُص ولا تَنقَطِعُ بمرُور الزّمَان، في أثناءِ الزّمَانِ لا تَنقَطِعُ، لا يَدخُلها تَقطُّعٌ كحيَاتِه أي كمَا أنّ حيَاتَه لا يَدخُلها تقَطُّعٌ كذلكَ كُلُّ صِفَاتِه لا يَدخُلُها تقَطُّعٌ.