إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قولُ الله تعالى في توبيخ إبليس الذي استكبر عن السجود لنبيّ الله آدم سجود تحية بعدما أمره الله بذلك فكفر والعياذ بالله لاستكباره وتعنّته (ما منعكَ أن تسجدَ لِما خلقتُ بِيَدَيَّ) (الآية 75 من سورة صاد)، قال فيه العلامة أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط إن ذلك عبارة عن القدرة والقوة، ومعلوم لمن مارس شيئاً من علم النحو واللغة والتفسير أن أبا حيان من كبار اللغويين والنحاة فلا يُعترض على مثله في ذلك، ومن أين لمعترض على تأويل أبي حيان أن يجاريه علماً وفقهاً.
وقال الماوردي في تفسيره (بيديّ) فيه أوجه منها بقدرتي ومنه قول الشاعر:
تحملت من عفراء ما ليس لي به *** ولا للجبال الراسيات يدان
(هي بمعنى القدرة وإن جاءت من حيث اللفظ بالتثنية [يدان]).
ويجوز أن يقال المراد باليَدين هنا العناية والحفظ، ويدلّ قوله تعالى (بيديَّ) على أن آدم خُلِق مُشرّفا مُكرّماً بخلاف إبليس خلقه الله للإهانة، وكلاهما بل وسائر المخلوقات خلقها الله بقدرته كما يقول السادة الأشاعرة.
ولا يجوز أن تحمل كلمة (بيدَيَّ) على معنى الجارحة أي العضو لأنه لو كانت لله جارحة لكان شبيهاً لنا، ولجاز عليه التعب كما يجوز علينا، ولو كان مِثلنا لَما استطاع أن يخلقنا، فلذلك قال العلماء (بيديّ) معناه أن نبيّ الله آدم خُلق بقدرة الله على وجه الإكرام والتعظيم، أما إبليس فما خلقه الله تعالى بعنايته لأن الله عالم في الأزل بأن إبليس خبيث، فهذا هو الفرق هنا بين سيدنا آدم نبي الله وإبليس عدو الله.
وقال بعض العلماء بالتأويل الإجمالي فقالوا يصح أن يقال لله يد بلا كيف بمعنى الصفة لا على معنى الجارحة، قالوا يد لا كأيدينا على معنى الصفة لا على معنى الجسمية، لأن الله مستحيل عليه الحجم والجسمية والكيفية والهيئة والصورة والجهة والمكان سبحانه ليس كمثله شىء.
وأما الوقوف بين يدي الله للحساب يوم القيامة فمعناه حساب العباد عند عرض أعمالهم عليهم، وليس المعنى أن الله تعالى يكون في موقف القيامة ويكون الناس حوله لأن الله تعالى ليس جسماً يَتحيّز في مكان، الله منزه عن صفات المخلوقين، مهما تصورتَ ببالك فالله بخلاف ذلك.
أرجو نشر هذا الخير والدعاء، وفق الله كاتبه وناشره وعافاه وأحسن ختامنا ولمن علمنا الخير وقال آمين، آمين.