إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

سُورَةُ الِانْشِقَاقِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَءَايَاتُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَّنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25).

﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ قَالَ الْمَاوَرْدِىُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ﴿إِذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: انْشَقَّتْ أَىْ تَتَصَدَّعُ بِالْغَمَامِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِى تَفْسِيرِهَا: تَتَشَقَّقُ السَّمَاءُ عَنِ الْغَمَامِ وَهُوَ الْغَيْمُ الأَبْيَضُ وَتَنْزِلُ الْمَلائِكَةُ فِى الْغَمَامِ.

﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ أَىِ اسْتَمَعَتْ وَانْقَادَتْ لِتَأْثِيرِ قُدْرَةِ اللَّهِ انْقِيَادَ الْمِطْوَاعِ الَّذِى يُذْعِنُ لِلأَمْرِ إِذَا أُمِرَ بِهِ، وَقَوْلُهُ ﴿وَحُقَّتْ﴾ أَىْ حُقَّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ رَبَّهَا الَّذِى خَلَقَهَا وَمَعْنَاهُ جُعِلَتْ حَقِيقَةً بِالِاسْتِمَاعِ وَالِانْقِيَادِ أَىْ جَدِيرَةً بِذَلِكَ.

﴿وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ﴾ أَىْ أَرْضُ الْقِيَامَةِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تُمَدُّ مَدَّ الأَدِيمِ وَيُزَادُ فِى سَعَتِهَا، قَالَ الإِمَامُ الْقُشَيْرِيُّ: بُسِطَتْ بِانْدِكَاكِ ءَاكَامِهَا وَجِبَالِهَا حَتَّى صَارَتْ مَلْسَاء.

﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ رَوَى الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى وَتَخَلَّتْ عَنْهُمْ فَلَمْ يَبْقَ فِى بَاطِنِهَا شيء.

﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا أَطَاعَتْ فِى إِلْقَاءِ مَا فِى بَطْنِهَا مِنَ الْمَوْتَى وَتَخَلِّيهَا عَنْهُمْ.

﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ قاَلَ النسفي: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ﴾ خِطَابٌ لِلْجِنْسِ أَىْ يَا ابْنَ ءَادَمَ إِنَّكَ كَادِحٌ أَىْ جَاهِدٌ فِى عَمَلِكَ سَاعٍ إِلَى رَبِّكَ أَىْ إِلَى لِقَاءِ رَبِّكَ قَالَهُ الْعِزُّ بنُ عَبْدِ السَّلامِ، وَقَوْلُهُ ﴿كَدْحًا﴾ قَالَ الرَّاغِبُ: الْكَدْحُ السَّعْىُّ وَالْعَنَاء، وَقَالَ الْقُرْطُبِىُّ: الْعَمَلُ وَالْكَسْبُ، وَقَوْلُهُ ﴿فَمُلاقِيهِ﴾ أَىْ فَمُلاقٍ جَزَاءَ عَمَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْخَيْرِ خَيْرًا وَبِالشَّرِّ شَرًّا قَالَهُ الْقُشَيْرِىُّ.

﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ قَالَ الْقُشَيْرِىُّ: وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُحْسِنُ يُعْطَى كِتَابَ عَمَلِهِ بِيَمِينِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِى حَاتِمٍ وَالْحَاكِمِ (مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِى يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِى يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يُدْخَلُ الْجَنَّة وَمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِى أَوْبَقَ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ فِى مِثْلِهِ).

﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ وَالْحِسَابُ الْيَسِيرُ هُوَ الْحِسَابُ السَّهْلُ الْهَيِّنُ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ الْحِسَابَ الْيَسِيرَ فَقَالَ: أَنْ يَنْظُرَ فِى سَيِّئَاتِهِ وَيَتَجَاوَزَ لَهُ عَنْهَا، قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَفِى الْبُخَارِىِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ اهـ. قَالَ الْحَافِظُ: قَالَ الْقُرْطُبِىُّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِى الآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِى سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَفِى عَفْوِهِ عَنْهَا فِى الآخِرَةِ. اهـ

﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ يَعْنِى فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالآدَمِيَّاتِ ﴿مَسْرُورًا﴾ مُغْتَبِطًا بِمَا أُوتِىَ مِنَ الْكَرَامَةِ.

﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ قَوْلُهُ ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ الْمُرَادُ الْكَافِرُ تُغَلُّ يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى عُنُقِهِ وَتُجْعَلُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَيُؤْتَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَقَوْلُهُ ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ أَيْ أَنَّهُ حِينَ يَرَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ يُنَادِى بِالثُّبُورِ وَهُوَ الْهَلاكُ فَيَقُولَ يَا وَيْلاهُ يَا ثُبُورَاهُ.

﴿وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾ أَىْ يَدْخُلُ النَّارَ الشَّدِيدَةَ فَيَصْلَى بِحَرِّهَا أَىْ يَحْتَرِقُ بِهِ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِىُّ وَيُصَلَّى، بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَيَصْلَى، بِفَتْحِ الْيَاءِ خَفِيفَةً إِلَّا أَنَّ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِىَّ يُمِيلانِهَا.

﴿إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ أَىْ أَنَّ هَذَا الْكَافِرَ كَانَ فِى عَشِيرَتِهِ فِى الدُّنْيَا مَسْرُورًا بَطِرًا بِالْمَالِ وَالْجَاهِ فَارِغًا عَنِ الآخِرَةِ.

﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَّنْ يَحُورَ﴾ أَىْ أَنَّ الْكَافِرَ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ بِالْبَعْثِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْكَافِرِ.

﴿بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ قَالَ الْفَرَّاءُ: بَلَى لَيَحُورَنَّ، ﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ أَىْ عَالِمًا بِرُجُوعِهِ إِلَيْهِ وَبَصِيرًا بِهِ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ.

﴿فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ (لا) زَائِدَةٌ وَالْمُرَادُ فَأُقْسِمُ، وَالشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ فِى الأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ فَيَدْخُلَ الْعِشَاءُ فِى قَوْلِ الأَكْثَرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْبَيَاضُ بَعْدَ الْغُرُوبِ.

﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ قَالَ الْحَافِظُ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى قَوْلِهِ ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ قَالَ: وَمَا دَخَلَ فِيهِ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ اهـ وَالْمُرَادُ بِمَا جَنَّ اللَّيْلُ أَىْ سَتَرَ كَالْجِبَالِ وَالأَشْجَارِ وَالْبِحَارِ وَالأَرْضِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَمَا وَسَقَ﴾ أَىْ وَمَا جَمَعَ أَىْ مِمَّا كَانَ بِالنَّهَارِ مُنْتَشِرًا فِى تَصَرُّفِهِ إِلَى مَأْوَاهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: لِأَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ تَسُوقُ كُلَّ شَىْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ.

﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ قَالَ الْقُشَيْرِىُّ: إِذَا تَمَّ وَاسْتَوَى وَاجْتَمَعَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: اتِّسَاقُهُ اجْتِمَاعُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ لَيْلَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ إِلَى سِتَّ عَشْرَةَ.

فَائِدَةٌ:
قَالَ الْمُنْذِرِىُّ: رَوَى النَّسَائِىُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْبَيْهَقِىُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ أَيَّامُ الْبِيضِ صَبِيحَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ).

﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ قَوْلُهُ ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ وَمَعْنَاهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، وَقَوْلُهُ ﴿طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ رَوَى الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ وَالْمُرَادُ الشَّدَائِدُ وَالأَهْوَالُ الْمَوْتُ ثُمَّ الْبَعْثُ ثُمَّ الْعَرْضُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: مَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ، قَوْمٌ كَانُوا فِى الدُّنْيَا مُتَّضِعِينَ فَارْتَفَعُوا فِى الآخِرَةِ وَقَوْمٌ كَانُوا مُرْتَفِعِينَ فِى الدُّنْيَا فَاتَّضَعُوا فِى الآخِرَةِ.

﴿فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ فَمَا لَهُمْ يَعْنِى كُفَّارَ مَكَّةَ لا يُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْءَانِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْمُرَادُ أَىُّ حُجَّةٍ لِلْكُفَّارِ فِى تَرْكِ الإِيمَانِ مَعَ وُجُودِ بَرَاهِينِهِ.

﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسْجُدُونَ﴾ قَالَ أَبُو حَيَّانَ أَىْ لا يَتَوَاضَعُونَ وَيَخْضَعُونَ.

﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْءَانِ وَالْبَعْثِ.

﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ قَالَ الْفَرَّاءُ أَىْ مَا يَجْمَعُونَ فِى صُدُورِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالإِثْمِ.

﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قَالَ الزَّجَّاجُ أَىِ اجْعَلْ لِلْكُفَّارِ بَدَلَ الْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَالرَّحْمَةِ الْعَذَابَ الأَلِيمَ.

قَالَ الْقُرْطُبِىُّ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَأَنَّهُ قَالَ لَكِنِ الَّذِينَ صَدَّقُوا بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَىْ أَدَّوِا الْفَرَائِضَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمْ ﴿لَهُمْ أَجْرٌ ﴾ أَىْ ثَوَابٌ ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أَىْ غَيْرُ مَنْقُوصٍ وَلا مقطوع، ثم قَالَ: وَذَكَرَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَأَنَّهُ قَالَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم.