إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلين،
حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر، ومولى أبي بكر وهو عامر بن فهيرة، ودليلهما عبد الله بن أريقط، مروا على خيمة أم معبد الخزاعية، فسألوها لحما وتمر ليشتروه، فلم يصيبوا عندها شيئا، وفي كسر الخيمة شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم معبد هل به من لبن، قالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها، قالت: نعم إن رأيت بهاحلبا، فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتـها، فدرت، واجترت، فدعا بإناء فحلب فيه حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم، ثم حلب فيه ثانيا ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها. وذكر أن الشاة عاشت إلى عام الرمادة، قالت أم معبد: فكنا نحلبها صبوحا وغبوقا وما في الأرض لبن قليل ولا كثير.
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة، باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم التي أحيا الله تعالى بدعائها ولدها بعد ما مات.
عن أنس، قال: عدنا شابا من الأنصار، وعنده أم له عجو عمياء، قال: فما برحنا أن فاض، يعني: مات، ومددنا على وجهه الثوب، وقلنا لأمه: يا هذه احتسبي مصابك عند الله، قالت: (أمات ابني ؟) قلت: نعم، قالت: (اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى نبيك، رجاء أن تعينني عند كل شديدة، فلا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم).
قال أنس: فوالله ما برحت حتى كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه. اهـ وأخرجه ابن عدي وابن أبي الدنيا وأبو نعيم.
وروى ابن سعد عن عثمان بن القاسم أنه قال: لم هاجرت أم أيمن، أمست بالمنصرف ودون الروحاء، فعطشت، وليس معها ماء وهي صائمة، فأجهدها العطش، فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فأخذته، فشربته حتى رويت. فكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشت.