إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
مسألة أخذ الفداء يوم بدر
فقد ذكر كثير من المفسرين ما لا يجوز، ذكروا ما هو خلاف حديث صحيح ثابت رواه ابن حبان وغيره أن جبريل عليه السلام خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفداء وبين تركه وأخبره أنه إن أخذ الفداء يصاب من المسلمين العدد الذي أصاب المسلمون من الكفار، فاختار رسول الله الفداء وذلك ليس حبا في المال الذي يأخذونه من الكفار الذين يطلق سراحهم بعد أن وقعوا في الأسر، إنما غرضه من ذلك رجاء أن يسلم هؤلاء بعد فدائهم كلهم أو بعضهم، كان عنده هذا الاحتمال، فأخذ من كل رأس منهم مالا فأطلقه، عدل عن إبادتهم إلى هذا الفداء لأجل هذا، ثم تحقق ما أخبر به جبريل إذ حصل للمسلمين في وقعة أحد التي هي بعد بدر إصابة عدد أي قتل سبعين نفسا من المؤمنين.
الرسول فعل ما فعل من أخذ الفداء بإذن من الله، ليس كما يقول بعض المفسرين وبعض المحدثين إنه فعل ذلك برأي منه موافقة لآراء بعض الصحابة الذين أشاروا عليه بالفداء كأبي بكر رضي الله عنه، ثم إنه رأى العذاب قد نزل ودنا واقترب منهم فبكى، هذا غير صحيح، مهما كثر من يروي هذا من المفسرين وغيرهم فهو غير صحيح، فإذا مر عليكم قصة الفداء في تفسير أو في كتاب من كتب الحديث فلا تعتقدوا هذا، احذروه، اعتقدوا ذلك القول الصحيح أن الرسول ما أخذ الفداء إلا بوحي جاء به جبريل، خيره جبريل بين الفداء على أن يقتل العام المقبل منهم عدتهم، مثل العدد الذي قتل من الكفار في بدر، وبين الإثخان أي إبادتهم. اهـ
في صحيح ابن حبان ذكر تخيير الله جل وعلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بين الفداء والقتل:
عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أن جبريل عليه السلام هبط عليه صلى الله عليه وسلم فقال له [خيرهم (يعني أصحابه صلى الله عليه وسلم) في الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل العام المقبل منهم عدتهم قالوا: الفداء ويقتل منا عدتهم]. اهـ