إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي (المتوفى 422هـ) في المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر:
فصل (معنى الفقير والمسكين) الفقير هو الذي يجد الشىء اليسير الذي لا يكفيه والمسكين أحوج منه لأنه الذي لا يملك شيئًا أصلًا خلافًا للشافعي في قوله إن المسكين هو الذي معه ما لا يكفيه وأن الفقير هو الذي لا شيء له أصلًا، وإنما قلنا إن المسكين أحوج من الفقير لأن الاسمين مأخوذان من العُدم وانتفاء الأملاك إلا أن المسكنة عبارة عما زاد على ذلك وهو شدة الحاجة التي يكسب صاحبها الخضوع والاستكانة، فلذلك قلنا إنه أحوج من الفقير ويوضح ذلك قوله عَزَّ وجَلَّ (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) يريد أن الحاجة بلغت به إلى أن لصق بالتراب من غير حائل بينه وبينه، وما يذكرونه من قوله تعالى (أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ) مقابل بما ورد من تسمية الواجد لليسير بأنه فقير وهو قول الشاعر:
أما الفقير الذي كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد
والظاهر وارد على سبيل الرحمة والتعطف، ومن متأخري أصحابنا من يقول إن الفقير والمسكين اسمان لمعنى واحد ووجه ذلك أنهم في ظاهر الاستعمال هكذا لأن الناس لا يفرقون بين القول فقير ومسكين وما قلناه أولى وأصح لأن الأصل في اختلاف الأسماء أنه لاختلاف المعاني).
والله تعالى أعلم وأحكم.