إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

السواك للصّائم
 
مذهب الحنفية:
في كتاب مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للشرانبلالي الحنفي، كتاب الصوم، فصل فيما يكره للصائم وما لا يكره وما يستحب، ما نصه (ولا يكره له السواك ءاخر النهار بل هو سنة كأوله  ثم قال وفي الكفاية كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك أول النهار وءاخره وهو صائم). اهـ
 
مذهب المالكية:
في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (باب الصيام) الجائزات للصائم (وَجَازَ) لِلصَّائِمِ أَرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنَ الْمُقَابِلَ لِلْحُرْمَةِ لِأَنَّ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ جَائِزٌ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ كَالْمَضْمَضَةِ لِلْعَطَشِ وَبَعْضُهُ مَكْرُوهٌ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَبَعْضُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَالْإِصْبَاحِ بِالْجَنَابَةِ وَبَعْضُهُ مُسْتَحَبٌّ كَالسِّوَاكِ إذَا كَانَ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ مِنْ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ أَيْ نُدِبَ (سِوَاكٌ) أَيْ اسْتِيَاكٌ (كُلَّ النَّهَارِ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ
 
وفي الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي (422 هـ)، السواك والحجامة، مسألة (لا يكره السواك للصائم في جميع اليوم خلافاً للشافعي في قوله إنه يكره بعد الزوال لقوله صلى الله عليه وسلم (خير خصال الصائم السواك) ولم يفرق، ولأن مالا يكره للصائم قبل الزوال لا يكره له بعده كالمضمضة وعكسه القبلة، ولأنه وقت للصوم كأول النهار ولأن ما يقصد به تبقية الشعث ومنع رفعه لا يختص ببعض أوقات العبادات كالإحرام بالحج).
 
مذهب الشافعية:
من كتاب المجموع شرح المهذب (كتاب الطهارة، باب السواك) وقت كراهة السواك (وَحَكَى أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ عَنْ الشَّافِعِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ثم قال قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فِيهِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَضْلِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْبَيْطَارِ الْخُوَارِزْمِيُّ قَالَ قُلْت لِعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت عَمَّنْ؟ قَالَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا (وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ لِلْفَمِ فَلَمْ يُكْرَهْ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ كَالْمَضْمَضَةِ). اهـ
 
مذهب الحنابلة:
المغني لابن قدامة، كتاب الطهارة، باب السواك وسنة الوضوء، مسألة السواك بعد الزوال للصائم (وَرَخَّصَ فِيهِ غَدْوَةً وَعَشِيًّا النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي السِّوَاكِ، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ (رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ).
 
والسّواك مِن فضائلِ الوضوءِ كمَا في شرح التلقين للإمام أبي عبد الله المازري المالكي، والسِّواكُ يُطلَق بـمعنى الاستِعمالِ ويُطلَقُ على الآلةِ التي يُستَاكُ بها مِن أَراكٍ وغَيرِه والسِّوَاكُ مستَحبٌّ في كلِّ حالٍ، وهو أي السِّواكُ في ثلاثةِ مواضِعَ أشدُّ استِحبابًا من غيرِها أحدُها عندَ تَغيُّرِ الفَمِ مِن أزْمٍ قيلَ هو سكُوتٌ طَويلٌ وقيلَ تَركُ الأكلِ، وإنّما قال وغيرِهِ ليشمَلَ تغيُّرَ الفمِ بغَيرِ أزْمٍ كأكلِ ذِي ريحٍ كريه ثؤمٍ وبصَلٍ وغيرِهِما، والثاني عند القيامِ أي الاستيقاظِ من النّوم لأن النومَ مَظِنَّةُ تغيُّرِ رائِحَةِ الفم، فقد روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلـم كانَ (إذا قامَ منَ الليل يَشُوصُ فاهُ بالسّواكِ) أي يَدلُكُ، وروى النسائيُّ حديثَ (السّواكُ مَطهَرةٌ للفَم) أي آلةٌ تُنظّفُهُ مِن الرّائِحَةِ الكَريهةِ، وحديث الشّيخَين (لخَلُوفُ فمِ الصّائمِ أطيَب عندَ الله مْن رِيحِ الـمسكِ).
قولُه عليه السلام (أَطيَبُ عندَ اللهِ) أي عندَ الـملائكةِ وقولُه مِن رِيحِ الـمسكِ معناهُ ثَوابُه أَعظَمُ مِن ثَوابِ التّطَيُّبِ بالـمسكِ، ليسَ معناه أنّ اللهَ يُوصَفُ بالشمّ، الله لا يُوصَفُ بالشّمّ ولا بالإحساسِ إنـما يُوصَفُ بالعِلم، والخُلُوفُ التَّغَيُّر، والـمراد من بعدِ الزّوال لحديث (أُعطِيَتْ أُمّتي في شهرِ رَمضَانَ خمسًا) قال (وأمّا الثّانيةُ فإنّهم يـُمسُونَ وخُلُوف أفواهِهِم أَطْيَبُ عِندَ اللهِ مِن رِيحِ الـمسك) رواه أبو بكر السِمعانيّ في أماليِّه وحسّنَهُ.
قَالَ الإمامُ الكَبيرُ الْمَازِرِيُّ المَالِكِيُّ (هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا، فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلصَّوْمِ لِتَقْرِيبِهِ مِنَ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ، أَيْ يُقَرَّبُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إِلَيْكُمْ، وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْخُلُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْمِسْكِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ عِنْدَ اللهِ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عِنْدَكُمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخُلُوفِ، حَكَاهُمَا عِيَاضٌ).
كثيرٌ منَ النّاس عِندما يستيقِظُون منَ النّومِ رائحةُ أفواهِهم تكونُ مُتغيِّرةً وسواءٌ تَغيرتَ رائحةُ فَمِهم أو لـم تتَغيّر يُسنُّ ويُستَحبُّ استحبابًا مؤكَّدًا.
والثالثُ عندَ القيامِ إلى الصلاةِ وهذا أوْكَدُ مـما قبلَهُ كُلِّهِ فرضًا أو نَفلاً.
ويتَأَكّدُ أيضًا في غَيرِ الثلاثةِ الـمذكورةِ ممّا هو مذكُورٌ في الـمطوَّلات كقراءةِ القرءانِ واصفِرارِ الأسنانِ وكذلكَ عندَ الوضوء يُستحَبُّ استحبابًا مؤكَّدًا، ويستحَبُّ أن يَنوِيَ بالسِّواكِ السُّنةَ وأن يَستَاكَ بيَمينِهِ والسُّنةُ أن يَستاكَ عَرضًا لحديث أبي داود في مراسِيله (إذا اسْتَكتُم فاستاكُوا عَرْضًا) والـمرادُ عَرضُ الأسنان، ويبدأ بالجانبِ الأيـمنِ من فمِهِ وأنْ يـُمِرَّهُ على سَقفِ حَلقِهِ إمْرارًا لَطيفًا وعلى كرَاسِيّ أضْراسِهِ.
 
وقد ذكرَ السُّبكيُ في طبقاتِ الشافعية الكبرى ما نصهُ (السواكُ مَطْهرةُ للفَمِ مَرضَاةٌ للربِّ) مُفرِّحٌ للـملائكَة مُسخِطٌ للشيطان يزيدُ في الثوابِ ويُقوّي البصرَ وأصُولَ الشَّعر ويُشدُّ اللّثَة ويقطَعُ البَلغَم ويَحُلُّ عُقدَةَ اللِّسان ويَزيدُ في الذّكاءِ ويُقوِّي الباءَة ويُكثِرُ الرِّزقَ ويُزِيلُ تغَّيُرَ الرائحةِ الكرِيهَةِ والقَلَحَ (صُفرَةٌ تَعلُو الأسنانَ) ويُهوِّنُ سكَراتِ الـموتِ ويُبيِّضُ الأسنانَ ويُذكّرُ بالشهادَةِ عند الـموت ويُساعِدُ على تَصحيحِ الحروفِ.
 
والسواكُ سنة عند القيام إلى الصلاة لحديثِ الصحيحين (لَولا أن أَشُقَّ على أُمّتي لأَمَرْتُهُم بالسّواكِ عندَ كلِّ صَلاةٍ) أي أَمْرَ إيجَابٍ كما في حديث أحمدَ (لَفرَضْتُ عليهِمُ السِّواكَ كما فَرضتُ علَيهِمُ الوضُوءَ).
 
والـمستَحبُّ أن يَستاكَ بعُودٍ مِن أرَاكٍ، فقد روى ابن حبان عن ابن مسعودٍ (كنتُ أجْتَني لرسولِ الله صلى الله عليه وسلـم سِواكًا مِن أراكٍ)، وفي حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي المالكي (المتوفى 1189هـ) (وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا إلَّا الصَّائِمَ فَيُكْرَهُ لَهُ الِاسْتِيَاكُ بِالرَّطْبِ) ويجزئ غَيرُه والأولَى بعدَه النّخلُ كما في شرح الـمهَذّب من كتب الشافعية وأن يَستاكَ بِيابِسٍ لأنّه أبْلَغُ في الإزالَةِ، قد نُدِّيَ بالـماءِ لِئلا يجرَح اللِّثَةَ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلـم (رَكعتَانِ بِسوَاكٍ خَيرٌ مِن سَبعِينَ رَكعَةً بدونِ سِواكٍ) رواه الدارقطني.
فضع يا أخي سواكا عند مصلاك وسواكا حيث تتوضأ وسواكا حيث تنام وسواكا في جيبك، ففي شعب الإيـمان للبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلـم أنّه قال (عَليكَ بالسِّواكِ فإنّهُ مَطْهَرَةٌ للفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرّبِّ مُفَرِّحٌ لِلـملائِكةِ، يَزِيدُ في الحَسَناتِ، وهوَ مِنَ السُّنّةِ، يَجْلُو البَصَر ويُذهِبُ الحُفَرَ، ويَشُدُّ اللِّثةَ، ويُذهِبُ البَلْغَم) وزاد البيهقي في رواية أخرى (ويُصحّحُ الـمعِدَة).
وعند المالكية والشافعية أفضل ما يستاك به هو الأراك، ثم جريد النخل، ثم عود الزيتون، ثم ما له رائحة زكية، ثم غيره من العيدان مما لم ينه عنه، وقال الشيخ العدوي المالكي في حاشيته على شرح الخرشي على مختصر خليل والظاهر أن مذهبنا موافق لهم، ولا يخالف في ذلك، كذلك في حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي المالكي (قَوْلُهُ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ) ذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ النَّوَوِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَاكَ مِمَّا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ، حَصَلَ السِّوَاكُ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالسَّعْدِ وَالْأُشْنَانِ). اهـ