إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

أحكام الحيض وفقا لمشهور مذهب مالك رضي الله عنه (4)
 
22. ما حكم الغسل من الحيض ؟
الجواب: أجمع الفقهاء على وجوب الغسل من الحيض، فإذا طهرت المرأة بجفوف أو قصة وجب عليها أن تغتسل.
23. إذا طهرت الحائض وكانت قبل حيضها جنبا هل يكفيها غسل واحد لرفع حدثهما ؟
الجواب: نعم يكفيها غسل واحد إذا نوت رفع حدثهما أو الاستباحة منهما أو أداء الفرض بسببهما أو نوت رفع حدث أحدهما.
24. ما هي صفة الغسل من الحيض ؟
الجواب: الغسل من الحيض كالغسل من الجنابة، فيلزم في كليهما فرائض خمسة:
1- النية أي نية رفع الحدث الأكبر،
2- تعميم جميع ظاهر البدن أي بشرا وشعرا بالماء الطهور،
3- الدلك أي لجميع البدن بإمرار العضو على ظاهر الجسد،
4- تخليل الشعر بالماء ولو كان الشعر كثيفا ولا يلزمها حل عِقاصها أي لا يلزمها نقض ضفيرتها في الغسل ويجب عليها غسل ما استرسل من شعرها،
5- الفور فتأتي بفرائض الغسل في زمن متصل من غير تفريق كثير لأن اليسير لا يضر مطلقا ويعبر عنه بالموالاة.
25. هل دم الحيض نجس ؟
الجواب: دم الحيض نجس بالإجماع، وقد حكى الإجماع غير واحد، وعليه فيجب على المرأة إزالته بالماء المطلق أي الطاهر الطهور دون غيره كما هو مشهور المذهب في إزالة النجاسات عموما. فلا بد من غسل الثوب الذي تلطخ بدم الحيض بالماء الطهور الذي لم يتغير بشيء، فلو أزيلت عين النجاسة بغير الماء المطلق كأن أزيلت بماء وصابون مثلا فإن حكمها يبقى قائما ما لم يزل بالماء المطلق.
26. ما يحرم على الحائض ؟
الجواب: يحرم على الحائض ثمانية أمور:
1- الصلاة فرضا كانت أو نفلا لأن من شروط صحتها الطهارة فلا تنعقد بدونها، وقد أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة على الحائض في أيام حيضها ولا يستحب لها القضاء إجماعا.
2- الصوم قبل الانقطاع أما بعده فيجوز ولو قبل الغسل ولا بد من قضاء ما فاتها من صوم رمضان بسبب ذلك،
3- حمل المصحف ولو مع أمتعة غير مقصودة بالحمل،
4- مس المصحف أو بعضه أي فيحرم عليها مس ورق المصحف وجلده المتصل به وحواشيه، إلا إن كانت متعلمة أو معلمة فلا حرج حينئذ، وأما قراءة القرءان بغير مصحف فلا يحرم عليها حال نزول الدم كما هو المذهب، وقراءتها في المصحف دون مسها إياه كقراءة حفظها. فإذا انقطع الدم ولم تغتسل فإنها تمنع من القراءة مطلقا سواء أكانت متلبسة بجنابة قبل حيضها أم لا، فلا تقرأ بعد انقطاعه مطلقا حتى تغتسل هذا هو المعتمد،
5- دخول المسجد، لأنها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينزه عنه المسجد، وهي في نفسها طاهر،
6- الطواف فرضا كان أو نفلا لأن من شرط صحته الطهارة فلا ينعقد بدونها، والحيض يمنع منها،
7- الاعتكاف، إذ شرطه الصوم، والحيض يمنع منه،
8- الجماع قبل الغسل أي تمكين الزوجة الزوج من الاستمتاع بوطئها قبل الغسل ولو بعد الانقطاع. قال الدسوقي الذي لابن عاشر ما نصه: ظاهر عباراتهم جواز الاستمتاع بِما تحت الإزار بغير الوطء من لمس ومباشرة ونظر اهـ. وعليه فيجوز للزوج الاستمتاع بما عدا الوطءَ من تقبيل واستمناء بيدها وساقيها ومباشرة ما بين السرة والركبة بأي نوع من أنواع الاستمتاع ما عدا الوطءَ. وتستمر حرمة الاستمتاع بالفرج حتى ينقطع الدم وتتطهر بالماء.
9- تنبيه: لا بأس بما يعلق في عنق الحائض من القرءان، إذا خرز عليه أو جعل في شمع ولا يعلق وليس عليه ساتر.
فائدة مهمة: على الحائض أن لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد، فالحيض لا يمنع ذكر الله كالتسبيح والاستغفار وإن كثر.
27. ما حكم وطء الحائض بعد طهرها وقبل اغتسالها ؟
الجواب: قد علمت أن حرمة وطء الحائض يستمر حتى تطهر وتتطهر بالماء لا بالتيمم لأنه لا يرفع الحدث، وعليه فمن معاصي الفرج وطء الحائض بعد طهرها وقبل الغسل، ففرج الحائض حرام إلى انقطاع دمها وغسلها غسلا صحيحا.
تنبيه: ما ذكره الفقهاء من الحرمة لا يخص المسلمة بل الكافرة كذلك، فيحرم على زوجها الاستمتاع بوطئها قبل غسلها، ويجبرها عليه حتى يحل له الاستمتاع بها.
مسألة: إن كان في سفر ولم يجد ماء وطال السفر جاز له أن يصيبها، واستحب لها أن تتيمم قبل ذلك، وتنوي به الطهر من الحيض.
28. هل على من جامع زوجته وهي حائض كفارة ؟
الجواب: ليس على واطئ الحائض كفارة فمن جامع زوجته وهي حائض في فرجها فقد عصى الله وفعل محرما، ويجب عليه الاستغفار ثم لا شيء عليه وما روي أنه يكفر عن ذنبه فيتصدق بدينار فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
 
29. إذا حاضت المرأة في وقت الصلاة ولم تكن صلت بعد فهل يجب عليها القضاء بعد طهرها ؟
الجواب: هذه المسألة راجعة إلى مسألة طرو مانع يمنع من وجوب الصلاة بعد دخول وقتها وقبل فعلها، والمذهب أن المانع كالحيض إذا طرأ وقد بقي من وقت الصلاة الضروري ما يسع مقدار ركعة فأكثر سقطت الصلاة لأن المانع حصل في وقتها فمنع من وجوبها، وإن طرأ المانع وقد بقي من الوقت ما لا يسع ركعة بسجدتيها وجب قضاؤها لأن وقتها قد خرج واستقرت في الذمة وهذا لأن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك وقتها، هذا من حيث الجملة، وإلا فإن تفصيل المسألة على ما يلي:
1- إذا كانت الصلاة مما لا يجمع غيرها معها وهي صلاة الصبح، فلو طرأ الحيض وقد بقي من وقتها الضروري قدر ما يسع ركعة كاملة بسجدتيها سقطت الصبح فلا تطالب بها بعد طهرها. في حين إذا طرأ الحيض وقد بقي أقل من ركعة قبيل شروق الشمس فقد خرج وقت صلاة الصبح واستقرت في ذمتها فتطالب بقضائها بعد طهرها.
2- إذا كانت الصلاة مما تجمع غيرها معها وهي الصلوات المشتركة (وهما الظهران والعشاءان) كما لو كانت في سفر فأخرت صلاة الظهر مثلا لتجمعها مع العصر ثم حاضت:
• فإن بقي من الوقت قبل غروب الشمس ما يسع قدر ركعات الظهر وركعةٍ واحدة من العصر سقطت الصلاتان فلا تطالب بقضائهما بعد طهرها،
• فإن بقي من الوقت قبل الغروب ما يسع قدر ركعة فأكثر ولكن لا يسع قدر ركعات الظهر وركعةٍ واحدة من العصر فإن صلاة العصر تسقط وتطالب بقضاء الظهر فقط بعد طهرها،
• فإن كان الباقي من الوقت لا يسع قدر ركعة وجب عليها قضاء الصلاتين بعد طهرها.
30. إذا طهرت المرأة من الحيض قبل خروج وقت الصلاة فهل تجب عليها تلك الصلاة ؟
الجواب: هذه المسألة عكس المسألة السابقة المتعلقة بطرو المانع بعد دخول وقت الصلاة فهي راجعة إلى مسألة زوال المانع قبل خروج وقت الصلاة، وحاصل الفقه فيها أن من زال عذره المسقط للصلاة قبل خروج وقتها لا تجب عليه الصلاة إلا إذا اتسع الوقت بقدر ما يسع ركعة منها بعد تقدير تحصيل الطهارة المائية أو الترابية، فإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي من الوقت الضروري للصلاة ما يسع الطهر مع ما يسع مقدار ركعة كاملة أو أكثر من ذلك لا أقل لزمتها تلك الصلاة أي ثبتت في ذمتها، وكذا تلزمها الصلاة التي قبلها إن كانت مما تجمع معها في حال العذر كالسفر بشرط أن تدرك مع الركعة ما يسع الطهر ومقدار الصلاة التي قبلها أي مقدار ركعات أولى المشتركتين، وعليه فإذا كانت الصلاة مما لا يجمع معها غيرها وهي صلاة الصبح، فإن طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ما يسع الطهر مع ركعة كاملة وجبت عليها صلاة الصبح وإلا سقطت.
ويجب الظهر مع العصر إن طهرت قبل الغروب وبقي من الوقت ما يسع الطهر وخمس ركعات في الحضر أو ما يسع الطهر وثلاث ركعات في السفر، وإن بقي أقل من ذلك إلى ركعة أي مع الطهر اختص الوقت بالثانية وهي العصر هنا فتسقط الظهر وتلزمها العصر، وإن بقي أقل من ركعة مع الطهر سقطت الصلاتان جميعا.
ويجب المغرب مع العشاء بإدراك أربع ركعات قبل الفجر سواء في الحضر أو في السفر أي مع فعل ما تحتاج إليه من الغسل، وإن بقي أقل من ذلك إلى ركعة أي مع الطهر اختص بالثانية وهي العشاء هنا، وإن بقي أقل من ركعة سقطت المغرب والعشاء جميعا.
وقولنا مع فعل ما تحتاج إليه من الغسل هذا إذا كانت من أهل الطهارة المائية بأن كان الماء موجودا ويكفي غسلها وكانت لها قدرة على استعماله وإلا قدر لها ما يسع التيمم.
تنبيه مهم: لا يقدر لسقوط الصلاة طهر عند طرو مانع يمنع من وجوب الصلاة كالحيض على المعتمد، ويقدر الطهر في إدراك الوقت عند زوال المانع.
31. إذا طهرت الحائض في نهار رمضان فهل عليها أن تمسك في بقية يومها ؟
الجواب: اعلم أن كل من أبيح له الفطر مع العلم بأن ذلك اليوم من رمضان، ثم زال عذره في أثناء ذلك اليوم جاز له التمادي على الفطر ولا يستحب له الإمساك في بقية يومه كالمسافر إذا قدم مفطرا والصبي إذا احتلم وكان مفطرا فإنه لا يستحب لهما الإمساك في بقية يومهما، وعليه فلا يندب للحائض إذا طهرت في نهار رمضان الإمساك بقية يومها ذلك ولا يكره لها الأكل فيه.
 
32. إذا استيقظت المرأة بعد الفجر وشكت هل طهرت قبل الفجر أو بعده فهل يجب عليها إمساك ذلك اليوم ؟
الجواب: إن رأت الحائض علامة طهرها عند الصبح وشكّت هل انقطع حيضها قبل الفجر أو بعده تمسك وجوبا بقية يومها إن كانت في رمضان لاحتمال طهرها قبله وتقضيه لاحتمال طهرها بعده احتياطا ولأنها لم تبيت الصوم.
33. إذا رأت الحائض الطهر قبل الفجر في رمضان فنوت الصوم ولم تغتسل حتى طلع الفجر فما حكم صومها ؟
الجواب: إن رأت الحائض الطهر قبل الفجر من رمضان وجب عليها صوم ذلك اليوم وصيامها صحيح مجزئ عنها ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر أو لم تغتسل أصلا إذ الطهارة ليست شرطا في صحة الصوم.
مسئلة: إذا رأت الحائض القصة أو الجفوف مع طلوع الفجر ونوت الصوم صح صومها.
34. من طهرت من الحيض قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فظنت بطلان صومها فأفطرت فما حكمها ؟
الجواب: إن ظنت أنه لا ينعقد لها صوم وتوهمت أن من صحة انعقاد الصوم أن تغتسل قبل الفجر فأفطرت متأولة فلا كفارة عليها وعليها قضاء ذلك اليوم.
35. من جرت عادتها بأن تحيض في يوم معين فأصبحت مفطرة في رمضان فما حكمها ؟
الجواب: إذا جرت عادة امرأة أن تحيض في يوم معين فأصبحت مفطرة فيه في رمضان قبل ظهور الحيض فعليها القضاء والكفارة ولو حاضت باقي ذلك النهار، وإنما لزمتها الكفارة لأنهم عدوا تأويلها بعيدا كالعدم وتعمد فطرها فيه اعتمادا على هذا التأويل لا يخرجها عن كونها هتكت حرمة الشهر.
فائدة: كفارة من أفسد صوم رمضان انتهاكا هي عتق رقبة مسلمة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا أي تمليك كل واحد منهم مدا من قمح أو غيره بمده عليه الصلاة والسلام مما هو غالب قوت البلد، فالمكفر (الذي يخرج الكفارة) مخير بين الأوجه الثلاثة غير أن الإطعام أفضل من العتق والصوم.