إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
مولده الشّريف ﷺ وما وقع فيه من الآيات الخوارق (من شرح الْمُنَاوِيّ على ألفيّة السيرة للعراقي)
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وءالِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
ولد النبيّ محمد ﷺ بمكة داخل الزقاق المعروف بزقاق المدكك في دار كانت بِيَدِ عَقيلِ بن أبي طالب ثم باعها ولده من أخي الحجاج ثم جعلتها الخيزران أو زبيدة زَوجة الخليفة هارون الرشيد مسجدًا وهو المشهور بمسجد المدكك، وذلك عام الفيل عند طلوع الفجر عامَ أُرسِلت الطير الأبابيل.
وروى أحمد في مسنده والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ونُبِّئ يوم الاثنين وهاجر يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ومات يوم الاثنين، صلى الله عليه وسلم وعلَى كُلٍّ رَسولٍ أرسَلَه.
وكانت ولادته صلى الله عليه وسلم عند طلوع الفجر لثنتي عشرة ليلة خلت مِن ربيع الأول على الأشهر.
وقد وقع في حال ولادة المصطفى خوارقُ منها أن أمه أمنة رأت حين وضعته نورًا خرج منها أضاء وانتشر حتى رأت وهِي بِمَكَّةَ قُصورَ بُصْرَى وهي مدينة بالشام، وقد أضاءت تلك القصور من ذلك النور، وَنَزَلَ صلى الله عليه وسلم مِن بَطْنِ أُمِه على الأرض شاخصًا رافعًا بصرَه إلى السماء.
وفي تلك الليلة انكسر إيوان كسرى مَلِكِ الفرس وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار الفرس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام،وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الْمُوبِذَان وهو عالِم الفرس في الرؤيا إبِلاً صعابًا تقود خيلاً عِرابًا قد قطعت دِجْلَة وانتشرت في بلادها، فلَمّا أصبح كِسْرَى أفزعه ما وقع فسأل علماء مملكته عن ذلك فأرسل إلى كاهِنٍ مشهورٍ اسمه سَطِيح فذكر له القصة بطولها.
ورُوِي أن عبد المطلب كان رأى في منامه سلسلة فضة خرجت منه أضاء لها العالَم، لها طرَف بالسماء وطرف بالأرض وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة نور وأهل المشرق والمغرب متعلقون بها، فعُبِّرت له بمولود يَتْبَعه أهل الارض ويحمده أهل السماء.
مات والد المصطفى وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل أكثر، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم حَمْلًا كما صَحَّح ذلك الحاكم في مستدركه.
أرضعته ثويبة وهي كانت رقيقة لأبي لهب وأعتقها لما بشَّرته بولادته، ثم بعد ثويبة أرضعته حليمة بنت أبي ذُؤَيب السعدية.
وقد روى ابن حبان والحاكم في قصة رَضاعه عليه الصلاة السلام ما ظَهَرَ لِحَليمة من العلامات، فمِن ذلك كثرة اللبن في ثديها، ووجود اللبن في ناقَتِها الْمُسِنّة بعد الهُزال الشديد، وسُرعة مشي حمارها، وكثرة اللبن في شِياهها، وخُصْب أرضها وغير ذلك.
وأقام صلى الله عليه وسلم في بَنِي سعدٍ عند حليمة أربعة أعوام على الصحيح.
وفي فترة إقامته عِندها جاءه جبريل وميكائيل وعليهما ثيابٌ بيضٌ فأخذاه وأضجعاه وشَقَّ جبريلُ صدرَه الشريف واستخرج قلبه فشقه وأخرج منه علقة سوداء فطرحها ثم غسله بثلج حتى أنقاه والْتَأَمَ كما كان، قال السبكي (وتلك العَلَقة خُلِقَت في قلوب البشر قابلةً لما يلقيه الشيطان فبإزالتها من قلبه لم يَبْقَ فيه محل قابل لإلقاء الشيطان).
فلما عَلِمَتْ حَلِيمَة بِشَقِّ صدره خافت أن يكون ذلك حدثًا يؤول إلى شىء يُصاب به فأعادته إلى أمنة أمِّه سالِمًا.
ولما بَلَغ سِتَّ سِنِينَ خرجَت به أُمُّه ومعَها أم أيمن المدعوة ببَركة إلى المدينة الشريفة تزور به أخواله من بني النجار فأقامت به عندهم شهرًا ثم رجعت فمرضت في الطريق فماتت وهي في طريق العودة إلى مكة ودُفِنَت بالأبواء وهو موضع معروف بين مكة والمدينة وهو إلى المدينة أَقْرَبُ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم حينئذٍ سِتَ سنين ومائةَ يوم، وقيل أكثرُ من ذلك.
فرجعت به أم أيمن إلى جَدِّه عبدِ المطلب بمكة فكَفَلَهُ إلى أن صار عمره ثمانيَ سنين، ثم لَمَّا احتُضِرَ عبد المطلب ضَمَّهُ إلى عَمِّه أبي طالب وأكَّدَ الوَصِيَّةَ بِهِ.
اللهمّ صَلِّ وسَلِّم وبارِك وأعظِم وأكرِم علَى سيّدنا محمّد سيّد الأوّلِين والآخِرين.